أفكار وآراء

جولة عون الخليجية .. بداية استعادة الثقة

15 يناير 2017
15 يناير 2017

حنا صالح  -

الإطلالة الخارجية الأولى لعهد الرئيس اللبناني ميشيل عون من باب الرياض، والتي شملت الدوحة، حققت نقلة نوعية مطلوبة في رحلة استعادة الثقة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي.

هذه النقلة بحاجة لمتابعة دؤوبة، بعدما حُددت الآلية مع السعودية عبر تبادل الزيارات بين الوزراء المختصين من البلدين، كما عبر القنوات الدبلوماسية المختلفة. أما في قطر، فكان اتفاق على إحياء اجتماعات اللجنة المشتركة العليا بين البلدين، برئاسة رئيسي حكومتيهما، على أن يعقد الاجتماع المقبل في الدوحة.

إنها إذن بداية مهمة في رحلة استعادة الثقة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، وهذا سيتطلب بعض الوقت لتبديد آثار الغيوم التي عكّرت أجواء العلاقات، وبالتالي الوقت ضروري لإنجاز بعض التفاهمات والخطوات العملية التي تكرس عودة الثقة في مسار علاقات تاريخية قديمة جدا، والأرضية الخليجية متوفرة لأنه كان لافتا خلال الزيارة، حجم الترحيب والاحتضان والتشجيع من جانب القيادة السعودية، التي لم تقبل للبنان أن يكون منصة ومنطلقا لأعمال معادية لأي من دول الخليج العربية.

باختصار شديد، من لحظة وصول الرئيس اللبناني إلى الرياض كأول إطلالة خارجية للعهد الجديد في لبنان حدث الخرق الإيجابي، لأن هذه الإطلالة قالت: إن أولوية المصالح اللبنانية تكمن في رفض استمرار الأزمة مع المملكة العربية السعودية، وأن السعي حقيقي لتبديد الشوائب وإلغاء أسبابها. والإطلالة هذه وجهت رسالة قوية بأن لبنان لن يكون جزءًا من أي محور بوجه أشقائه العرب، وأهمية هذه الرسالة أنها مبنية على مصالح لبنانية حقيقية، تبدأ بالحرص على مصالح مئات ألوف اللبنانيين العاملين في بلدان الخليج العربية، والذين تتجاوز تحويلاتهم سنويا إلى لبنان رقم الـ60% من إجمالي التحويلات الخارجية إلى لبنان. وتشمل هذه الرسالة، التي تولي المصالح اللبنانية أولوية مطلقة، كل الحرص على استعادة السياحة الخليجية واستعادة الاستثمارات كونها رافعة رئيسية لوضع اقتصادي صعب ودقيق يمر به لبنان في هذه الفترة.

لقد ميّز الرئيس اللبناني في عدد من المواقف بين الوضع الداخلي، الذي ترعاه وتديره السلطات اللبنانية المسؤولة، وبين ما يجري في الجوار وتحديدا في سوريا، معتبرا أن دور حزب الله هناك إقليمي جزء من وضع المنطقة، ومميز أيضا، بين هذا الدور وبين السياسات الرسمية التي ستعتمد، والكلام الرئاسي يشي بأن لبنان لن يذهب إلى المستنقع السوري.

دون أدنى شك، يعرف الجميع تأثيرات صراع المحاور على لبنان، وأبعاد اندفاعة رأس محور الممانعة وأهدافها، والمسألة لم تعد تلميحا، بل تصريح، بعدما بات، ما كان مشروع المقاومة، الوسيلة والأداة التي يستظلها هذا المشروع، الذي لم يتورع يوما عن السعي لتمزيق النسيج اللبناني في أكثر من منطقة، والعمل لفرض أعراف وتقاليد وقيم، وصولا لإقامة مجتمع بحاله خارج القانون العام، وهنا التحدي أمام الرئاسة اللبنانية، المدعوة قياسا على كل التجارب السابقة، للتحسب أكثر، ولكثير من عدم الاطمئنان مهما كانت الثقة من جانب مختلف الأطراف الإقليمية المعنية بالأوضاع اللبنانية، وبالحفاظ على سلامة واستقرار لبنان أيضا.

ما جرى حتى الآن مفيد وناجح، وترحيب مجلس الوزراء بالإجماع، وبحضور مُمَثلي حزب الله اللبناني، بما آلت إليه الزيارة إلى الرياض والدوحة، وتثمينه الدور الذي تلعبه السعودية، مهم على طريق حماية لبنان وحماية مصالح اللبنانيين، لكن الاكتفاء بالزيارة وهي بحد ذاتها بداية مهمة، والتغاضي لاحقا عن العودة إلى إطلاق مواقف، والذهاب إلى ممارسات من شأنها أخذ لبنان إلى مواقف متشنجة، حيال العمق العربي، الذي تقبل التزام لبنان بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات العاصفة، سيكون من الصعب مواجهة كل النتائج التي ستترتب إذاك على لبنان الدولة والمجتمع، خاصة في ظل استمرار اشتعال الجوار اللبناني ولمدة لا يستطيع أحد التنبؤ بالمدى الزمني المحتمل لها.