yousef
yousef
أعمدة

رحلوا في 2016

13 يناير 2017
13 يناير 2017

يوسف القعيد -

ممدوح عبد العليم فنان مضى كالطيف. جاء ومضى وترك لنا أدواره الجميلة التي لا يمكن أن ننساها. قابلته في مناسبات عامة. أو برامج تليفزيونية كنا نتحدث فيها معاً. عندما تراه على الطبيعة تكتشف أن أجمل ما فيه لون عينيه. من الصعب أن تقول أنه أخضر أو أزرق. لكنه لون يتماهى بينهما – الأزرق والأخضر – ربما يقولون عنه في الأوساط الشعبية: (عسلي).

في لحظات كلامه ترى التماع عينيه. وتقطيبة وجهه. وانشراح قلبه الذي يعلن وجهه عنه. يتكلم في أمور الدنيا كأنه يتكلم عن الحياة باتساعها وليس الفن وحده. كانت أحلامه عريضة. وما ينتظره من الدنيا باتساع العالم. لكنه الموت مفرق الجماعات ومشتت العلاقات. يأتي دون إنذار.

في آخر اللقاءات بدا وكأنه يمهد للقاءات أخرى. لكن من منا كان يتصور ما ينتظره؟ ويتوقع ما يمكن أن يجرى له ويحدث؟ وهكذا «انخطف» ممدوح عبد العليم خطفاً. ومضى سريعاً. يلبي قضاءه ويستجيب لقدره، تاركاً لنا أعماله الفنية الجميلة. خصوصاً في المسلسلات التليفزيونية التي أبدع فيها أكثر من الأدوار السينمائية.

محمد خان، حكاية أخرى. لا أعرف هل أتحدث عن أفلامه الجميلة والمذهلة؟ أم عن شخصه؟ لأبدأ بأفلامه التي تميزت ببعد لا نراه إلا عنده فقط. كان محمد خان من مؤسسي سينما المكان. حيث يصبح المكان بطلاً من أبطال العمل الفني لا يقل أهمية عن الأبطال أو البطلات. ارتبط بالمكان جداً. وتجلى المكان – قبل الزمان - في أعماله الفنية. وتجليات المكان كانت لها حضورها الفني الفريد في أعماله. ما أن يتذكر أحد هذه الأعمال حتى يصبح المكان بطلاً.

أول أفلامه كان ضربة شمس. لم أشاهده في السينما. ولكن شاهدته في الفضائيات والتليفزيونات. وفى كل مرة أسأل نفسي: ماذا كان يمكن أن يجري لو شاهدته على شاشة عرض كبيرة. فالمكان وتجلياته يعبران عن نفسيهما بشدة تكاد تتفوق على أبطال – أو الذين ليسوا أبطال – العمل.

فى ضربة شمس، وقد جرى تصويره في منطقة وسط القاهرة، وفى ميدان التحرير عندما كان فيه كوبري دائري يدور ويلف باستدارة الميدان. وهو الكوبري الذي تمت إزالته فيما بعد. ما زلت أذكر عبوري الميدان من فوق الكوبري. وفى أحد المرات كانت معي الفنانة والمذيعة رشا مدينة. كنا نعبر من ناحية التليفزيون إلى ناحية وسط البلد. وكانت الناس تتوقف لتشير لها. فرغم ندرة ظهورها في التليفزيون. إلا أن أثرها الذي تركته عند الناس يبدو قوياً وعملاقاً.

ضربة شمس فيلم خرج من تحت عباءة الأفلام البوليسية. الغرائبية والعجائبية. لكنه يترك في النفس أثراً غير عادي. خصوصاً عن الأمكنة التي تم تصويره فيها. شوارع وسط البلد، كافيتريات وسط البلد. ووسط البلد سيصح فيما بعد عنوان أحد أفلامه الجميلة. ووسط البلد نطلقه على المنطقة التي يحدها ميدان التحرير، وميدان العتبة، وميدان رمسيس. القاهرة الخديوية الجميلة. التي لا حد لجمالها.

و فيلم ضربة شمس، تدور بعض أحداثه في مترو حلوان. المترو الذي لم يعد له وجود. كان يبدأ من باب اللوق وينتهي عند مدينة حلوان الجميلة. ويمر على تجليات المسافة بينهما. كثير من أحداث الفيلم تدور في هذا المترو ليلاً. بعد انتصاف الفجر وقبل مجيء الصباح الجميل.

هل أتحدث عن مشوار عمر الرحلة الخرافية التي قام بها الفنان فاروق الفيشاوي ومعه الذهب الذي يفقده في الطريق، والسيارة الفاخرة التي كان يقودها؟ هل أتوقف أمام خرج ولم يعد؟ أم زوجة رجل مهم؟ الذي تم تصوير أجزاء منه على محطة قطار المنيا ومحطة قطار بني سويف، ومحطة قطار الصعيد عند لحظة وصول القطارات إلي مدينة القاهرة؟.

هل أتحدث عن فيلم: الثأر. الذي نسيته الناس رغم أهميته الشديدة؟ وشوارع وسط القاهرة. والفنان محمود ياسين الذي يبحث عن زوجته، التي خطفت منه بعد الخروج من إحدى حفلات السينما. ثم قيام الزوج بالانتقام ممن خطفوا زوجته. يحصل على عناوينهم. ويصفي حسابه معهم واحداً واحداً.عرفت محمد خان في كافيتريا دار الأوبرا والمجلس الأعلى للثقافة. يتكلم – إن تكلم – بأقل الكلمات الممكنة. لكنها كلمات دالة وموحية. ثم عرفته في منزل صديقتنا المشتركة الفنانة التي لا حد لجمالها، المرحومة معالي زايد. كان لها بيت خلف دار القضاء العالي. ونقابة الصحفيين. وبالقرب من نادي القضاة. وكانت تدعو أصدقاءها المقربين – وكنت واحداً منهم – إلى بيتها. وفى بيتها قابلت صلاح السعدني مرات، وقابلت محمد خان مرات كثيرة. رغم أنه لم يتعاون معها في أي من أفلامه. لكنه كان يحبها وكانت تحبه. وكنا نقضي الساعات الطويلة في بيتها. يتحدث محمد خان عن الأفلام التي أحبها. سواء أخرجها أو شاهدها في دور السينما.

كانت السينما عشقه الوحيد. وفى الوقت الذي كنا نلتقى فيه في بيت معالي زايد. كان ينشر مقالات في إحدى الجرائد الكويتية. وأتمنى لو أنه جمعها في حياته. أو أنها جمعت بعد رحيله في كتاب. لأنها لا تقل عن أهمية أفلامه ولغته السينمائية الراقية والمتقدمة. والتي كانت تعبر بالصورة فقط بعيدة عن أي ثرثرة سينمائية أو ثرثرة كلامية.

فاروق شوشة، الشاعر والإنسان، كنت أراه. وكنت أدهش من قدرته الفريدة على مراعاة قواعد النحو والصرف عندما يتكلم. وتوقفه عند أواخر الكلمات. كنت أعتبره اللغة العربية تمشي على قدمين. لغة الضاد. لغة القرآن الكريم العظيمة. كان يتمثلها عندما يتكلم. حتى لو كان يعبر عما لا يمكن التعبير عنه سوى بالعامية المصرية الجميلة. لكنه كان يترجمها إلى فصحى القرآن عندما ينطق بها.عرفته قبل أن أعرفه من برنامجه القصير المركز: لغتنا الجميلة. الذي كان يذاع في البرنامج العام براديو مصر، على مدى 5 دقائق ليلاً. وفى هذه الدقائق الخمس، كان فاروق شوشة يرسل رسائله اللغوية، يذكرنا بلغتنا الجميلة، ويطالبنا – دون أن يقول ذلك صراحة بالحفاظ عليها والاهتمام بها – فاللسان العربي ليس مجرد لغة ننطق بها الكلمات. لكنه جزء جوهري وأساسي من هويتنا.فنانة واحدة رحلت خلال هذا العام: زبيدة ثروت. ورغم أنها جسدت الرومانسية الكامنة في كل منا. إلا أني لم أكن محظوظاً بأن أراها سوى على الشاشة. أما الرؤيا المباشرة والكلام المباشر فلم يحدث للأسف الشديد. وحتى وأنا أكتب هذا الكلام لا أدري لماذا لم يحدث؟!. ليرحمهم الله رحمة واسعة. فقد سبقونا من دار الفناء إلى دار البقاء الباقية التي تشكل الحقيقة الوحيدة في دنيا خلت من الحقائق.