أفكار وآراء

مصيــر ســوريا في يد روسـيا

11 يناير 2017
11 يناير 2017

فلاديمير فرولوف -

ترجمة: قاسم مكي -

موسكو تايمز -

لِسقوط شرق حلب في قبضة النظام يوم 14 ديسمبر الماضي وكذلك سقوط تدمر في يد داعش يوم 11 ديسمبر عواقب استراتيجية بالنسبة لعمليات روسيا في سوريا. إن موسكو تواجه الآن أحد خيارين. فهي إما أن تساير طموحات الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه في طهران ورغبتهم في استمرار حملتها العسكرية التي تهدف إلى القضاء على المعارضة السورية أو أن تقرر توظيف سقوط حلب للتوسط في إبرام صفقة بين الحكم ومنظمات المعارضة.

يسمح هذا الخيار الأخير لموسكو الاستفادة سياسيا (من سقوط حلب) وفي ذات الأثناء يقلل من مخاطر حدوث تحوُّل تدريجي في أهداف تدخلها العسكري وما يترتب عن ذلك من التزامات طويلة الأجل لم تكن تخطط لها أصلا. ولكن سحابة الشكوك التي تظلل مستقبل سياسة واشنطن في سوريا تحت حكم إدارة ترامب القادمة تعقِّد حسابات موسكو. وستدفعها إلى تأمين أكبر عدد من أوراق المساومة على الأرض قبل المفاوضات. حقا يشكل سقوط حلب ضربة ماحقة للانتفاضة السورية ضد حكم الأسد.

ولكنه لن ينهي الحرب. فهو سيغير جذريا من طبيعة الصراع المسلح من تمرد لسكان المدن في أغلب الأحيان إلى ثورة ريفية مستمرة. لقد أعاد النظام السوري وحلفاؤه بسط سيطرتهم على ما يسمى « سوريا المفيدة». وهي تلك المناطق السورية التي تمتد إلى الغرب على طول ساحل المتوسط والحدود مع لبنان. فالنظام سيسيطر على كبرى مدن سوريا وحوالي 60% من السكان تقريبا.

بكلمات أخرى ما لم تتدخل قوة كبرى عسكريا، لم يعد ممكنا إزاحة نظام الأسد من السلطة. حقا لا تزال المعارضة مسيطرة على كامل محافظة إدلب ومناطق ريفية مهمة في جنوب وشرق محافظة حلب مع جيوب صغيرة للمقاومة في حماة وحول دمشق. ولكن لم يعد في مقدور المعارضة تهديد بقاء الحكم.

ويظل القرار الاستراتيجي الكبير بالنسبة لروسيا هو: هل ستستسلم لضغط دمشق وطهران بدحر المعارضة المعتدلة وإلحاق هزيمة تامة بها في ملاذاتها الآمنة المتبقية أم ستضغط على النظام للقبول باتفاق حول شكل من أشكال الانتقال السياسي؟ في الغالب سيضغط الأسد وإيران باتجاه شن هجوم كبير في إدلب حيث تتداخل المعارضة المعتدلة مع المقاتلين الإسلاميين من أحرار الشام وإرهابيي النصرة. ومن المرجح أن تكون المعركة من أجل إدلب طويلة ودموية وأن تتطلب استخداما أشد عنفا للقوة الجوية الروسية بل وحتى نشر قوات برية روسية. ويمكن أن تستغرق هذه المعركة عام 2017 بكامله وأن تلقي بِظِلَّهَا على الانتخابات الرئاسية الروسية في أوائل 2018.

وربما من الأفضل للكرملين إعلان الانتصار في حلب وتقليص عملياته العسكرية ضد المعارضة وإعادة توجيه حربه الجوية نحو داعش في سياق مجهود تعاضدي جديد مع الولايات المتحدة والضغط على الأسد للقبول بتسوية سياسية. يجب أن يَدُقُّ فقدانُ مدينة تدمر المُذِلُّ لصالح داعش أجراسَ الحذر في موسكو . فهذه الخسارة تبرز مكامن ضعف الجيش العربي السوري الذي لا يزال غير قادر على التمسك بأراضٍ موجودة تحت سيطرته فيما هو يقوم بتنفيذ عمليات هجومية على جبهات أخرى. وقد تشكل خسارة تدمر وحقولها النفطية ومواردها من الغاز ومواصلة داعش لهجومها في محافظة حمص تهديدا أكبر لتماسك المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام. بل قد يؤدي ذلك حتى إلى فتح مسالك لداعش كي تهاجم دمشق (للمفارقة، لقد كانت المعارضة السورية وليس جيش الأسد هي التي منعت تقدم داعش باتجاه دمشق في صيف عام 2015.)

كما أدى سقوط تدمر أيضا إلى كشف السردية التي تقول إن الأسد وحلفاءه يحاربون داعش ولذلك يجب أن يُعَامَلوا كحلفاء طبيعيين للغرب في الحرب على الإرهاب. لقد استأنفت روسيا لتوِّها قصف قوات داعش في تدمر بعد توقف دام لفترة ثلاثة أشهر تقريبا. كما أن القسوة التي تعامل بها نظام الأسد مع المدنيين في حلب في أثناء محاولته هزيمة المعارضة تحولت أيضا إلى مشكلة دولية لموسكو التي لا تستمرئ احتمال اشتراكها في المسؤولية عن ممارسات دمشق ضد السوريين. وبهذا المعنى فإن شن هجوم على إدلب من شأنه «تقزيم» الممارسات التي حدثت في حلب. وأخيرا، إذا كانت روسيا جادة بخصوص تعظيم مكاسبها العسكرية بتحويلها إلى تسوية سياسية صالحة أو قابلة للنجاح في سوريا سيكون لزاما عليها أن تتعاون مع تركيا. فأنقرة، بعكس الولايات المتحدة، قادرة على فصل المعتدلين عن الإرهابيين وفرض تطبيق وقف العداوات الذي يمكّن موسكو من احتواء النظام السوري.

وهنالك الآن مؤشرات مع الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار وعملية الإخلاء في حلب بأن روسيا وتركيا تعملان معا (تتعاونان) لإنهاء الحرب وتأمين مصالحهما وفي ذات الوقت وضع حد لطموحات دمشق. إن مستقبل سوريا سيتقرر، في الغالب، بواسطة روسيا وتركيا وإيران. أما أمريكا دونالد ترامب فستقصر نفسها على هزيمة جماعة داعش. وربما أن هذه الترتيبات ستنجح.