الملف السياسي

التكاتف هو ضمان تحقيق الأهداف !!

09 يناير 2017
09 يناير 2017

د.عبدالحميد الموافي -

في مناقشة مع أحد الأصدقاء حول الميزانية العامة للدولة لعام 2017 ، والأثر الايجابي بالنسبة للمواطنين ، والذي ترتب عليه الابقاء على العلاوات الدورية للمواطنين ، وعدم المساس بالمرتبات، ولا بمخصصات الضمان الاجتماعي ، ولا بالخدمات الاساسية ، ولا بجزء كبير من الدعم. لا تزال الدولة تتحمل هذا الدعم لصالح المواطن ، قال صديقي انها الدولة، وهذه مسؤوليتها في النهاية، أليست هي المسؤولة عن مواطنيها ، وعليها تدبير ذلك ؟ قلت لصديقي حسنا ، ولكن الامر لا يمكن التعامل معه بشكل عام ، لأنه يحتاج الى تناوله جزءا جزءا لبيان ما هو ممكن ، وما هو دور ومسؤولية الاطراف المختلفة ، لأن الامر ليس حكومة فقط ، ولكن هناك المواطنون ، الى جانب الحكومة ، ولأن الحكومة تعمل من اجل المواطنين فان المواطنين – في أية دولة - ليسوا طرفا سلبيا ، او متلقين فقط ، وان الأمر ليس طرفا واحدا ، ولكنه في الحقيقة طرفان اساسيان ، هما الحكومة والمواطنون ، اللذان يعملان معا ، على رقعة الأرض التي تشكل مساحة الدولة ، بما تحويه من امكانيات وموارد ، وما يمكن ان تتيحه من فرص واستثمارات تعود بالخير على المواطنين وعلى الدولة ككل في النهاية ، غير ان ذلك مرهون دوما بطبيعة الظروف التي تمر بها الدولة، وما يحيط بها من تطورات تؤثر بالضرورة على امكاناتها ومواردها واولوياتها .

ومن اجل تقريب الصورة اكثر قلت لصديقي اليست الميزانية هي الاطار العام لانفاق الدولة خلال العام ، وانها ترتكز على الايرادات في جانب - اي العائدات المالية التي تحصل عليها الدولة من القطاعات المختلفة ، اقتصادية وتجارية ونفطية ورسوم وضرائب وغيرها وعلى النفقات في جانب آخر - ومقصود بها مجالات الانفاق المختلفة التي تقوم بها الحكومة ، على القطاعات المختلفة ، اجور ومرتبات ونفقات تنموية واستثمارية ودعم ودفاع وأمن وغيرها - قال صديقي نعم ، ولكن الأمر سيتشعب ويتعقد ، وكان بسيطا ، قلت له لا تقلق ، ولنأخذ مثالا لتقريب المسألة ، انت موظف، بمعنى انك تحصل على راتبك في نهاية الشهر ، وتحدد احتياجاتك في ضوء ما تحصل عليه ، وأخذت قرضا من البنك لتبني بيتا ، ولتغير سيارة ، قال نعم الحمد لله ، قلت له انت في وضع افضل من وضع الحكومة ! رفع حاجبيه مستنكرا كيف ؟ انا موظف وهذه الحكومة بإمكانياتها ومواردها ! لا مقارنة ! يا صديقي هل الحكومة موظفة لدى طرف آخر ، بمعنى هل تحصل على مواردها بشكل مضمون ، وبالعلاوات من طرف آخر ، كما تحصل انت منها ؟ قال لا ، إذن الحكومة اقرب الى رجل الاعمال، الذي تتوفر له موارد وامكانيات وبعض المشروعات التي يديرها ليقوم بالإنفاق على اسرته ، وليفي بالتزاماته الأخرى حيال عائلته الاكبر وجيرانه وربما اصدقائه عند الضرورة ، وتتوقف حالة رجل الاعمال، كما نلاحظ بالنسبة لأصدقائنا على حالة السوق او وضع الاقتصاد ، وكلما كان هناك نشاط وحركة، كلما انتعش رجل الاعمال ، والعكس صحيح ، ولعلك معي في ان انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية منذ منتصف عام 2014 حتى الآن قد اثر بشكل ملحوظ ليس فقط على الحكومات والشعوب ، ولكن ايضا على رجال الأعمال ، الذين تأثرت اعمالهم بشكل او بآخر بانخفاض اسعار النفط ، لسبب بسيط هو انه في دول الخليج ، فان الحكومة هي التي تقوم بالقدر الأكبر من الانفاق ، وعلى هامشها يتحرك ويستفيد رجال الاعمال ، وكلما انخفض الانفاق الحكومي تأثر رجال الأعمال، ولذا تسعى الحكومات على جلب استثمارات خارجية لتنشيط الاقتصاد والاسواق . وعندما تنخفض عائدات ، او دخل رجل اعمال متوسط ، ماذا يمكنه ان يفعل ؟ سيضطر بالضرورة الى اعادة ترتيب اولويات نفقاته ، وسيمتد ذلك الى اولاده بالضرورة . والمؤكد انه عندما يفهم الأولاد او افراد الأسرة الظروف الاقتصادية وتقلباتها ، فإنهم سيكونون اكثر تفهما وتعاطفا وتقديرا لجهود الأب الذي يسعى الى تأمين احتياجاتهم على افضل نحو ممكن . قال صديقي باستنكار اذن احمد الله على انني موظف ، ولست رجل اعمال ؟ في حين انني كنت اتمنى ان اكون رجل اعمال، قلت يا صديقي الأمر ليس كذلك ، وليس مقارنة بين الموظف ورجل الاعمال ابدا . ولكنه كان فقط لإيضاح ان عائدات الحكومة ليست ثابتة ، ولا مضمونة ، مثل مرتب الموظف ، ولكنها تتوقف على عوامل عديدة ، وتتأثر بالضرورة بتطورات اقليمية ودولية ، قد لا يكون للدولة دخل فيها، والأمثلة كثيرة في هذا المجال ، ومنها انخفاض اسعار النفط ، والحروب واعمال الارهاب ، وحتى الظروف البيئية والمناخية ، التي تؤثر على انتاج المحاصيل وغيرها . وتساءل ماذا بالنسبة لميزانية عام 2017 ؟ هل سيكون هذا العام افضل ان شاء الله ؟ قلت يا صديقي، كما تعلم كان عام 2016 هو الأكثر صعوبة ، ليس فقط لأن انخفاض اسعار النفط استمر فيه وبمستويات متدنية ، مما أثر كثيرا على العائدات ، التي انخفضت بنسبة 60 % تقريبا بالنسبة للسلطنة ، ولكن ايضا لأن الحكومة كانت مضطرة لأن تواصل العمل لإنهاء عدد من المشروعات الكبيرة ، التي كانت قد بدأتها ، والتي تعول عليها لتنشيط الاقتصاد في قطاعات هامة كالسياحة واللوجستيات وبعض الصناعات .

ولعل ما يرجح فرضية ان عام 2017 سيكون افضل مقارنة بالعام الماضي ، ان اسعار النفط بدأت في التحسن النسبي ، صحيح انها لم تستقر بعد ، وانها لا تزال تنتظر ان تلتزم دول اوبك والدول المنتجة للنفط من خارجها بتخفيض حجم الانتاج ، الذي تم اقراره في فيينا في آخر نوفمبر الماضي ، ولكن الصحيح ان كل الدول المنتجة للنفط وجدت انه من صالحها ان تتحسن الأسعار لتحد من خسائرها ، ولتقلل من حجم العجز في موازناتها .

من جانب آخر فإنه في الوقت الذي نجحت فيه حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - في تخفيض ، او ترشيد الانفاق بشكل كبير في عام 2016 ، وهو ما يستمر تقريبا في عام 2017 ، فان هذا العام سيشهد انتهاء بعض المشروعات ، خاصة مشروع مطار مسقط الدولي الجديد ، وجزء كبير من مشروعات الطرق ، وفي المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم ، وهو ما يعني اضافة طاقة جديدة للاقتصاد العماني خلال الاشهر القادمة .

ومع استمرار التحسن، او حتى استقرار اسعار النفط في حدود 55 دولارا للبرميل ، واستمرار ذلك ، كما هو مرجح ، فان تحسنا سيطرأ على العائدات ، وعلى نحو يقلل من حجم العجز في ميزانية هذا العام . ومع استمرار العمل لتنفيذ البرنامج الوطني التنويع الاقتصادي ( تنفيذ ) وتنشيط عمليات وادوات المتابعة ، بالتوازي مع البرامج المحددة في اطار خطة التنمية الخمسية التاسعة ( 2016 – 2020 ) بوجه عام ، والمقررة ضمن اولويات ميزانية عام 2017 بوجه خاص، فان جوانب التحسن ستكون ملموسة بدرجة كبيرة ، وفي اكثر من قطاع من قطاعات الاقتصاد العماني .

على انه من الأهمية بمكان الاشارة الى حقيقة على جانب كبير من الاهمية ، وذلك من جانبين مترابطين ومتكاملين ايضا هما :

*الجانب الأول يتمثل في ضرورة ادراك ان الدولة ، والتي تمثلها الحكومة على الصعيد التنفيذي ، ليست مفتوحة الموارد ، بمعنى ان مواردها محدودة ومحسوبة ايضا ، والميزانية العامة للدولة ، هي جهد كبير لتحقيق التوازن، قدر الامكان بين الايرادات وبين النفقات . وعندما تزيد النفقات – لأية اسباب – يظهر العجز ويزيد بقدر الفجوة بين الايرادات والنفقات، وبنفس الفكرة بالنسبة لأية اسرة من الاسر ، سواء كان رب الاسرة موظفا او رجل اعمال، فالعائدات تظل محسوبة ومحددة ، اما النفقات فانها غالبا ما تزداد، لاعتبارات واسباب كثيرة . واذا كانت موارد الدولة محدودة ومحددة ومعروفة ايضا ، فانه من الاهمية بمكان ان يتفهم المواطن ذلك ، وان يدرك ان الحكومة تبذل بالفعل جهودا كبيرة من اجل الحفاظ على مستوى المعيشة الذي ينعم به المواطن ، وان يتم الاستمرار في توفير الخدمات الأساسية والرعاية الاجتماعية والجزء الاكبر من الدعم ، برغم الظروف التي تمر بها اسواق النفط والتطورات في المنطقة ايضا .

*اما الجانب الثاني فانه يتمثل في انه اذا كانت الحكومة تسعى الى القيام بدورها من اجل المواطن ، فان الامر يكتمل عبر قيام المواطن بدوره ايضا في هذا المجال من اجل نفسه والمجتمع ، فالمسؤولية في النهاية ليست مسؤولية الحكومة وحدها .

صحيح ان الحكومة تعمل وتسعى ، ولكن الصحيح ايضا هو ان دور المواطن ضروري ، ولا يتوقف عند مجرد الفهم والادراك ، ولكنه يتجاوز ذلك الى حد التعاون الحقيقي والعملي مع الحكومة ، للحد من الانفاق من ناحية ، ولزيادة الادخار ، باعتبار ان الادخار هو اساس الاستثمار من ناحية ثانية ، وللتعاون لتنفيذ برامج تنويع مصادر الدخل والحد من الاعتماد على النفط ، خاصة بتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، ومساندة برنامج (تنفيذ ) ، وكذلك بالانحياز الى المنتج الوطني ، وتفضيله على المنتج الاجنبي ، باعتبار ذلك مسؤولية وطنية وحاجة اقتصادية ايضا ، وليست مجرد تضحية من جانب المواطن او المقيم ، خاصة وان المنتجات الوطنية تتميز بمستويات جودة عالية ، وان كانت تحتاج الى مزيد من التعريف بها وتقديمها بشكل جذاب للمستهلكين في مجمعات التسوق المختلفة .

واذا كانت الحكومة نجحت العام الماضي ، وهو الاصعب ، فان التكاتف والتعاون معها ، من جانب المواطن والمقيم ، هو الطريق للنجاح بشكل اكبر هذا العام والأعوام القادمة ، وقد جاءت ميزانية عام 2017 كخطوة هامة في هذا المجال ، ولكنها تحتاج بالضرورة الى تكاتف المواطنين مع الحكومة لتحقيق الاهداف المنشودة ، وفي مقدمتها تجاوز العجز في الميزانية، وتحقيق مستوى معيشة افضل ، والسير نحو مزيد من التقدم والرخاء بفضل تعاون الجميع ، فيد واحدة لن تصفق .