abdullah
abdullah
أعمدة

نوافذ .. تخمة التقنية

08 يناير 2017
08 يناير 2017

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

اقترح على المتقاتلين في حرب التقنيات الحديثة أن يمنحونا فرصة لالتقاط الأنفاس وتجريب ما يلقونه علينا من مخترعات وابتكارات وتقنيات جديدة كل يوم لأننا وبكل بساطة لسنا بحاجة إلى كثير من هذه التقنيات التي باتت تعقد حياتنا أكثر مما تسهلها.

أصابتنا تخمة من كثرة هذه المخترعات والمبتكرات التي لا يمل أصحابها من مفاجأتنا كل صباح نصحو فيه، مرة بهاتف ذكي يعرف ما تفكر فيه فيقوم بالأمر نيابة عنك، تكفيه رمشة من عينيك كي يفهم ما تريد، ومرة أخرى يأتيك باختراع سيارة ذكية تعرف طريقها أكثر منك فقط كلمها إلى وجهتك وستأخذك إليها، وهي تقوم نيابة عنك بتحويل أموالك وإتمام صفقاتك التجارية وشراء وبيع أسهمك، ويأتي مخترع آخر بروبوت ذكي يقوم عنك بكل أعمالك حتى أنه يمكن أن يكون لك زوجة وفية إن مللت من زوجتك، وآخر يخرج علينا بطريقة جديدة بزرع سماعة ذكية داخل أذن الشخص لسماع الملفات الصوتية من دون حاجة إلى تعب كثير لتوصيل سماعة إلى اذنيك، وتتسابق شركات الاتصالات لتخرج علينا كل يوم باتصلات ذكية في الإرسال والاستقبال أقوى من سابقتها، وتطول القائمة ربما يعرفها المتابعون أكثر مني. فصار كل ما حولنا ذكيا باستثنائنا نحن من صار غبيا في إدمانه ومرضه بكل هذه المخترعات والمبتكرات.

هل نحن بحاجة إلى كل هذه الاختراعات والتقنيات التي قلبت حياتنا رأسا على عقب وباتت تحركنا وتسيطر علينا أكثر مما نحركها نحن، بل وأصابتنا بكثير من الأمراض والعلل والأوجاع بسبب الإدمان عليها وكثرة استخدامها والتعود عليها، كثرت العيادات والمستشفيات والأمراض النفسية والعضوية التي نعاني منها بسبب كسلنا عن تحريك أجسامنا والانتقال من مكان إلى آخر، قل بيننا التواصل الشخصي بسبب اعتمادنا على التواصل الآلي، اختفت الحياة الاجتماعية لدى الأسر والمجتمعات بسبب هذه المخترعات التي زادت عن حاجتها وأصبحت ترفا لا داعي له، أصبحنا نترقب الجديد من هذه المخترعات التي تزيدنا كسلا وتبلدا في الإحساس والشعور وعدم الشعور بالآخر وآلامه وأوجاعه.

المثل العربي يقول «إن الحاجة أم الاختراع» أي أن حاجة الإنسان هي ما تحتم عليه أن يخترع الأشياء كي تساعده في تسهيل حياته اليومية وشهدنا على ذلك الكثير من المخترعات مث الكهرباء التي أنارت للناس حياتهم والهاتف الذي سهل على البشرية التواصل والسيارة والطائرة التي نقلت الإنسان إلى أماكن وبلدان وقارات أخرى وجعلت التقارب بين البشر أسهل، وغيرها من المخترعات التي كانت الحاجة هي سبب في اختراعها. أما اليوم فان هذا المثل يقرأ عكسا أن الاختراع أم الحاجة أي أننا لا نكون بحاجة إلى شيء في الحياة لكن يأتي اختراع طائر في الهواء يجعلنا بحاجة إليه ولا ننفك عن الاستغناء عنه لاحقا، وهذا ما تقوم به كثير من الشركات التي لا هم لها اليوم سوى التفكير بالمزيد من المخترعات التي تجعل الإنسان حبيسا ورهينا لها.

لست ضد الاختراعات التي تساعد الإنسان في حياته وتسهلها عليه كما سهلت علينا وعلى أهلنا حياتهم من قبل ولكنني هنا أناقش فكرة ان كثرة هذه المخترعات جعلتنا نفقد البوصلة وأوصلتنا طرق هذه المخترعات إلى اللامكان وجلبت علينا الكثير من المتاعب والمشاق والمصاعب ولم تسهل علينا حياتنا كما كنا نعتقد بل عقدتها أكثر فأكثر فصرنا مرضى بسببها، بلداء بسببها، تنابلة بسببها، لا اكتراثيين بسببها، لا مبالين بسببها، نتمنى أن يتوقف جنون هذا العالم عن هذه المخترعات حتى نعود إلى بساطة الحياة وحلاوتها كما كانت قبل وصول هذه المخترعات إلى حياتنا المعاصرة.