أفكار وآراء

الهدنة في سوريا طريق للسلام محفوف بالألغام

04 يناير 2017
04 يناير 2017

د. فالح حسن الحمراني -

كاتب من العراق مقيم في موسكو -

[email protected] -

استقبلت دوائر الرأي العام الدولي إعلان الرئيس فلاديمير بوتين يوم الخميس الماضي عن التوصل الى وقف إطلاق نار في عموم سوريا، بارتياح بالغ، لكونه خطوة قد تمهد لوقف ماكنة حصد أرواح الأبرياء وتدمير المدن والقصبات التي تتحرك منذ 5 سنوات. ولكن ثمة أسئلة حول مدى صلابة الاتفاق وديمومية التزام الأطراف المعنية به، وان كان قد اخذ بعين الاعتبار كافة الجوانب التي قد تضعفه، ولف كافة القوى المؤثرة حوله.

ان إحلال السلام في سوريا لم يعد قضية محلية محضة، بالرغم من ان الشعب السوري بكافة مكوناته وتياراته السياسة هو المعنى الأول به، وان كلمة الحسم في تقرير مصير دولته وشكل النظام السياسي الذي سيديرها تعود له. ان الحرب التي دامت منذ عام 2011 اكتسبت طابعا إقليميا /‏‏ دوليا. وتدافعت العديد من القوى العالمية والإقليمية لبسط نفوذها لضمان حصتها من « الكعكة السورية» قبل ان تتفتت أو يتقاسمها الآخرون. وحارب في سوريا كل على طريقته. البعض بالوكالة من خلال تشكيل وتدريب وتمويل تشكيلات خاصة به، والآخر بتدخل بشكل مباشر. ولم تنجح تلك القوى على التفاهم وتقاطعت مصالحها. وأصر كل طرف على ان يكون الحل وفقا لرؤيته الى اكبر درجة ممكنة .

ان هناك عوامل عدة ستساعد على إيجاد قاعدة واعدة لآفاق الهدنة ووقف إطلاق النار في سوريا ، برغم الخروقات التي تعرضت وتتعرض لها بشكل يكاد يكون متواصلا ، مع ما يرافق ذلك من تبادل للاتهامات بين الحكومة السورية والمعارضة حول المسؤولية عن تلك الخروقات وتهديد وقف إطلاق النار . ويأتي في مقدمة العوامل المشجعة ، بالدرجة الأولى إعلان روسيا وتركيا وإيران الاستعداد لتوفير الضمان لوقف إطلاق النار في سوريا. ان هذه الدول الثلاث تمتلك وسائل تأثير في ارض المعركة. فإيران تتحكم بالتشكيلات التي تخضع لحزب الله اللبناني والطوائف الشيعية الأخرى من العراق وغيره، والتي لعبت أدوارا كبيرة في نجاح قوات النظام المسلحة في السيطرة على العديد من المدن بما في ذلك في معركة حلب التي يتفق المراقبون على أنها غدت منعطفا حاسما في مسيرة الحرب الأهلية السورية ووضعت بيد حكومة الرئيس بشار الأسد ورقة رابحة في مباحثات التسوية المنتظر اجراؤها في عاصمة كازاخستان . كما ان لتركيا تأثيرا على العديد من فصائل ما يسمى بالمعارضة المعتدلة التي لها مقرات في تركيا وتتولى تمويلها وتدريب مقاتليها وفتح الحدود لالتحاق المتطوعين بها. ويمكن ان يكون لروسيا كلمة مؤثرة بشكل ما في توجهات الحكم في دمشق وتحركاته، فضلا عن قدراتها العسكرية المتنوعة في الأراضي السورية.

كما ان هناك رغبة وتطلعا مشتركا وواسعا في سوريا على مستوى القيادات السياسية والسكان يرغب في إحلال السلام في سوريا. لقد أرهقت الحرب والنزاع المسلح على السلطة العليا وبمختلف المسميات الدينية والقومية والديمقراطية، سكان سوريا الذين باتوا يدركون بان نتائج الحرب لن تكون أبدا في خدمة مصالحهم. وان شرائح اجتماعية واسعة باتت ترفض تدمير مدنها والبُنى الأساسية لها وتخريب آثارها وحرمانها من المستقبل وتفضل وتتمنى تحقيق الأهداف المنشودة بطرق سلمية. وثمة آمال بان دروس الحرب المريرة قد تدفع لإجراء إصلاحات سياسية نحو أنسنة الأوضاع وإشاعة الديمقراطية والحريات السياسية، خاصة وان الأوضاع في سوريا بعد هذا الدمار والمحنة ، لا يمكن ان يبقى حاله.

ان الحرب الأهلية بسوريا باتت أيضا تهدد الأمن الإقليمي بل والعالمي. وكان من آثارها تعميق الانشقاقات وعدم التفاهم بين الدول العربية، وتجلى هذا اكثر في صفوف جامعة الدول العربية. ولم تجد القرارات التي طرحت على بساط البحث هناك تصويتا جماعيا عليها، كما المواقف تغيرت من مرحلة الى اخرى حول قضية قطع العلاقات بالنظام السوري. وادت الحرب السورية الى موجة المهاجرين السوريين الى أوروبا وغدت عاملا في تأزمها الى جانب الموجات من إفريقيا ودول اخرى. والحرب الأهلية في سوريا دربت كثيرا من المجموعات والتنظيمات المتطرفة على صناعة الإرهاب وتصديره الى الدول الأخرى، ونسبت لها الأعمال الإرهابية ذات الصدى الواسع في العواصم الأوروبية وغيرها. وهذه الحالة جعلت إحلال السلام في سوريا قضية إقليمية وعالمية.

ولكن لا تزال أمام الهدنة واستقرارها والاستفادة منها الكثير من العقبات. وتتمثل هذه بالدرجة الأولى بما يسمى بتنظيم داعش - الذي تم اخراجه من إطار العملية. ولم يبق امامه الآن سوى مواصلة القتال. وهذا قد يدفع الدول الثلاث – روسيا وإيران وتركيا - نحو القيام بعملية مشتركة ضد داعش وجبهة النصرة«فتح الشام»، أو كحد اقصى عدم وضع العراقيل أمام بعضهما البعض الآخر. وبهذه الحالة فان تركيا ستحصل على المنطقة الآمنة التي تتيح لها مواجهة هيمنة الأكراد على حدودها. وفي ضوء ذلك فان دعم أمريكا للأكراد المتزايد والذي أضفت عليه صفة قانونية، سيكون بمثابة إعلان واشنطن عن المشاركة مستقبلا في الشكل الجديد للاتفاقات الخاصة بسوريا .

ويرى خبير الشرق الأوسط «فلاديمير ساجين» انه من غير الواضح تماما أي ممثلين عن المعارضة السورية اكدوا التزاماتهم باتفاق الهدنة، وأيهم اعلن تجميد المشاركة في محادثات الآستانة المنتظرة في كازاخستان ، موضحا: ان المعارضة السورية طيف واسع جدا. من بينها من يعارض الأسد فقط، واخرى جماعات إرهابية بشكل سافر وغيرها له أهداف محددة . منوها بان من تعهدات روسيا وتركيا بضمان تنفيذ الاتفاق مسألة مهمة ولكن هناك « لاعبين» أجانب في سوريا وبالدرجة الأولى أمريكا وأطراف إقليمية اخرى ، وبالتالي فان اتفاق الهدنة مازال غامضا والهدنة تظل هشة، ولكن هناك عوامل عديدة تخلق المناخ المناسب لتنفيذها من اجل محاولة التغلب على الصعوبات والحيلولة دون التصعيد الذي ينطوي على عواقب وخيمة لسوريا ولعموم المنطقة.