ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ :ثقافة تتشكل عبر «تراث»

03 يناير 2017
03 يناير 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

هناك من ينادي بملء فمه بضرورة قراءة التراث قراءة متأنية، وإعادة تشكيل مجموعة القيم التي حملها على ظهره طوال هذه السنوات، تقبلتها الأجيال أو لم تتقبلها، وفي هذه المسألة بالذات ما زالت الآراء تتصادم، والأقوال تتشابك، والمواقف يعادي بعضها البعض، ويبدو أن هذا الصراع لن ينتهي في يوم من الأيام، فأنصار كلا المفهومين موجودون وبصورة حاضرة وقوية، فجيل السابقين يرى في أحقية أن تبقى الأمور كما هي عليه، لأن في ضعضعتها يحدث نوعا من الارتباك، وجيل الحاليين يرى هو الآخر أحقيته في أن يعاد تشكيل كثير من القيم التي لا يجد فيها نفسه، فما تدعو إليه شيء، وواقعه هو شيء آخر، ولا يزال الجدل قائما؛ هو نوع من الصراع المعلن في مواقف، والمخفي في مواقف أخرى، والنتيجة عدم رضا حقيقي لدى كلا الطرفين، بالإضافة الى تضييع مكتسبات عصرية شحذ من أجل وجودها العقل والذهن حتى تجد حضورها على واقع الناس، وعندما تحققت كان الناس أول من أضر بها وبوجودها انعكاسا لهذا الاستحضار للقيم المتوارثة.

ولذلك يحدث كثيرا من المغالطات في توظيف القيم المتوارثة على الواقع، وتجييرها لتحقيق أهداف غير التي تدعو اليها، أو استحضارها بقوة تأثيرها حيث تنزل منزلة التقديس في بعض المواقف، ومنزلة المباركة في مواقف أخرى، فـ «احترام الكبير» أمر مطلق حتى وإن كان هذا الكبير في مواقف لا يستحق الاحترام، و «من لم يصانع في أمور كثيرة؛ يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم»، حتى لو كانت هذه «المصانعة» تهدم قناعاتك وتكسر مواقفك، و «غض الطرف أنك من نمير؛ فلا نجدا بلغت ولا كلابا» حتى لو كانت حجتك قوية، وصوتك أحق، وأنك ترى الحقيقية كالصبح الأبلج، عليك أن تسكت لأنك لم تصل الى مقام الوجاهة الذي يعطيك أحقية الانتصار الى الحق، و «ابتسم ولو كنت في أشد الظروف قساوة» لأنك انسانيتك لا بد أن تكون إنسانية أخرى غير التي فطر عليها بقية البشر، حيث الألم والحزن والمعاناة، و«لا تقل لا، بعد ما قلت نعم» فالمراجعة غير محمودة، فلربما قلت «نعم» في لحظة ضعف، أو في لحظة وقوع تحت ظرف قاس، وبالتالي ففي تراجعك سوف يعفيك المجتمع كله من مبادئك ورأيك السديد الذي سوف تتخذه في مساحة الشعور الصادق، و «لا تتكلم في حضرة الكبار» فرأيك لا يزال صغيرا كما هو عمرك، على عكس الحجة التي ساقها ذلك الطفل في حضرة عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - « يا أمير المؤمنين لو كان الأمر بالسن ، لكان في المسلمين من هو أسن منك»، و «من هذا الكلب الذي داس على طرف ردائي؛ فرد عليه: الكلب من لا يعرف مائة اسم للكلب» حيث الفوقية المفتعلة من مجرد المرور غير المقصود على طرف رداء مهمل، و«عليكِ ان تخدمي أخاك مهما كان عمره صغيرا او كبيرا، وبلا نقاش»، حتى وإن كانت هذه الأخت كبيرة في عمرها وفي تجربتها، فهي لا تزال من تخدم، حتى لو كان هذا الذي تخدمه يصغرها بعشرات السنين، فلا تزال المرأة هي الـ «خادمة» للسيد المبجل الرجل، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

هذه مجموعة من المفاهيم الاجتماعية التي يعتمد عليها أفراد المجتمع في كل تفاعلاتهم مع بعضهم البعض، بل تشكل ثوابت غير قابلة للنقاش، ومن أثر تطبيقها تتشكل ثقافة تراثية بحتة، لعدم خضوعها للأخذ والرد، ونقضها ما أمكن، وبذلك تأتي هذه الصور التراثية لتعمق من مشكلة من الإساءة لأي منجز قيمي يعبر عن واقع أجياله في لحظة تفاعلاتهم المختلفة أيضا.