الملف السياسي

هل سينتهي الاستيطان الإسرائيلي؟

02 يناير 2017
02 يناير 2017

عبد الله العليان -

لا شك أن قرار مجلس الأمن الذي صدر في 23 ديسمبر الماضي بأغلبية ساحقة الذي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعتبر قرارا مهما، وهو امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت، وعدم استخدامها لحق النقض (الفيتو)، وهي سابقة ولافتة منها، وهذا القرار جاء واضحا وقويا من الناحية القانونية، إذ أكد على عدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، ويعد إنشاء المستوطنات انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل، كما جاء في القرار الدولي، كما طالب القرار «بوقف فوري لكل الأنشطة الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأوضح أن أي تغييرات على حدود عام 1967م لن يعترف بها إلا بتوافق الطرفين. وأكد القرار على التمييز في المعاملات بين إسرائيل والأراضي المحتلة عام 1967. وبهذا القرار فإن المجتمع الدولي يعتبر كل المستوطنات غير قانونية سواء أقيمت بموافقة الحكومة الإسرائيلية أو لا وعقبة كبيرة أمام تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ إن هذا البناء يجري على أراض يمكن أن تصبح جزءا من دولة فلسطينية مقبلة»، وقد دافع جون كيري عن موقف الولايات المتحدة في امتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن بخصوص المستوطنات الإسرائيلية، وقال عن الموقف الأمريكي اللافت إن « إن واشنطن لا يمكنها تقديم دعمها فيما يمنع التوسع الاستيطاني المستمر احتمال التوصل إلى حل الدولتين». وأضاف كيري في دفاعه عن هذا الموقف في كلمته بوزارة الخارجية الأمريكية «للأسف يبدو أن البعض يعتقد أن صداقة الولايات المتحدة مع دولة معينة تعني أن الولايات المتحدة عليها القبول بأي سياسة، بغض النظر عن مصالحنا الخاصة. على الأصدقاء أن يخبروا بعضهم بالحقائق المرة، والصداقات تتطلب احتراما متبادلا». وهذا يعني أن الولايات المتحدة ضاقت ذرعا بمواقف إسرائيل تجاه المستوطنات التي تشيد إلى الآن في أراض فلسطينية منذ 1967م، ولا شك أن هذا القرار صدم الدولة العبرية من موقف الولايات المتحدة، لعدم دعم موقف إسرائيل من قضية المستوطنات، وهذا الاستيطان صار تحركا دائما في ظل حكم اليمين الإسرائيلي، ثم أضعف محاولات إقامة الدولة الفلسطينية حسب الوعد الأمريكي في عهد الرئيس بوش الابن، ويقول هرتزل في كتابه [الأرض القديمة الجديدة]: «إن اليهود لن يفعلوا شيئا للأرض القديمة الجديدة (فلسطين) سوى نقلهم المؤسسات المتحضرة إليها» ومثل هذه المزاعم وجدت صداها في الغرب، ليس فقط لاتساقها مع الفكر الذي دأب على التهوين من شأن الآخرين، وإنما أيضا لأن الغزوة العنصرية الصهيونية جزء ضئيل من الذين أنتجوا هذا الفكر.

مؤدى ذلك أن العنصرية الأوروبية وصعود الدارونية الاجتماعية كانت الموجه الفكري للمد الاستعماري وحركة التوسع الاستعماري، وقد ارتبطت الصهيونية بهذا المد ارتباطا حميما، فالصهاينة الأوائل أيدوا الغزو الفرنسي للجزائر.

وقبل هرتزل بكثير كان موسى هس قد دعا إلى الاستحواذ على أرض قومية مشتركة لليهود كشرط ضروري لتأسيس مجتمعات زراعية وصناعية وتجارية تطبق المبادئ اليهودية «وبهذه المجتمعات تستطيع الأمة المستعادة أن تقوم كحارس على ملتقى القارات ومعلم للشعوب الشرقية المتخلفة».

هس هنا يتخيل دورا خاصا للدولة اليهودية داخل إطار التمدن والتحضر الذي تضطلع بهما دول الغرب في ركاب فتوحاتها وغزواتها، وفكرته هذه هي التي سيصوغها هرتزل بعد ذلك في وصف الدولة اليهودية بأنها «سويسرا اليهودية» التي تقوم كنموذج ومثال لليبرالية الأرستقراطية بين أمم الشرق المتخلفة.

الآن وبعد أكثر من مائة عام على تصورات آباء الصهيونية الأوائل نلاحظ أن قضية الاستعلاء الاستعماري العنصري ما زالت إحدى لوازم الحركة الصهيونية ودولتها الاستيطانية. فعندما يتحدث القادة الصهاينة عن «الشرق الأوسط الجديد» كما هو شيمون بيريس في كتابه المعنون بذلك فإنهم يعيدون إنتاج مقولات المؤسسين عن التفوق اليهودي ورسالة تحضير أو تمدين الآخرين ـ الذين هم العرب ـ في ظروف إقليمية ودولية مغايرة، وإذا بحثنا عن الأفكار الأساسية للصهيونية العنصرية في هذه المقولات نجد أن ممارساتها العنصرية واضحة وغير خفية عن العالم أجمع، وهذا ما جعل الزعم العنصري بتنظيف المدن الفلسطينية من الإنسان الفلسطيني نوعا من العنصرية البغيضة. وعلى هذا فإن الصراع لا يدور بين خصمين أو قوتين تنتميان إلى عالم واحد، بل بين عالمين مختلفين أو بين تاريخين مختلفين، ويقول بيغن: ينبغي أن ندرك أنه لا مكان في هذه البلاد لشعبين. إن الحل الوحيد هو فلسطين بلا عرب، وليس هناك سبيل غير طرد الفلسطينيين إلى البلدان المجاورة. طردهم جميعا بلا استثناء. وينبغي ألا تبقى هنا أية قرية و لا أية عشيرة. تعكس المفاهيم الصهيونية ذاتها حتى على مستوى الكلمات والمفاهيم، فبعد أن يقول بيغن بـ«شعبين» لا يلبث أن يستدرك فيقول بـ«القرية» و«العشيرة» وهما ينتميان إلى تاريخ اجتماعي ساذج ومتخلف. أضف إلى ذلك أنه يستعمل كلمة طرد التي تتضمن معنيين: عدم إمكانية العيش مع فرد أو قرية فلسطينية من ناحية، ومعاقبة المطرود من ناحية ثانية، فهو غير مرغوب فيه وجدير بالعقاب والاضطهاد». إن الاستيطان الإسرائيلي المستمر منذ 1967 إلى الآن .. يبرز أن الدولة العبرية غبر جادة في السلام العادل، وإقامة الدولة الفلسطينية، وأن اللقاءات والمفاوضات في السنوات الماضية مجرد تسويف وتمييع المواقف؛ للمراهنة على الضعف والتشتت والانقسام الفلسطيني والعربي، لتمرير مشاريعها في التهويد وتكريس الاحتلال الذي تؤكده الوقائع والممارسات على الأرض.. فهل هذا القرار الجديد لمجلس الأمن سيغير من واقع هذا الاستيطان؟ الشك دائما يجعلنا نتوقع عدم التغيير، خاصة بعد وصول الجمهوريين إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة.