أفكار وآراء

ترجمات : اتفاق إيران- شل مؤشر لتحول شرق أوسطي

01 يناير 2017
01 يناير 2017

نك بتلر -

ترجمة قاسم مكي -

فاينانشال تايمز -

يشكل اتفاق شركة رويال دتش شل مع طهران لاستكشاف النفط والغاز خطوة لافتة أخرى في التحول الذي تشهده إيران خلال فترة تقل عن 18 شهرا بانتقالها من دولة معزولة عالميا إلى جاذبة للاستثمار. وقد تكون هنالك خطوات أخرى قادمة بما في ذلك بروز إيران كمصدر للاستقرار بدلا عن النزاع في المنطقة.

إن إيران بعد سنة عاصفة حول الشرق الأوسط، هي البلد الوحيد الكبير الذي سيُنهِي عام 2016 وهو أقوى اقتصاديا وسياسيا. ومنذ الاتفاق على وقف ما يشك بأنه محاولة لتطوير الأسلحة النووية استؤنفت العلاقات بين طهران والعالم الخارجي. فالجهات الخارجية تستثمر في إيران بصرف النظر عما تبقى من العقوبات الأمريكية. وفي اجتماع منتجي النفط من أعضاء أوبك في نوفمبر الماضي، نجحت إيران في تأمين قبول الأعضاء الآخرين بمنحها حصة من شأنها أن تحافظ على المستويات الحالية لإنتاجها النفطي.

لقد صارت إيران قوة محورية في منظمة أوبك. نعم لدى إيران العديد من المشاكل ولكن اتجاه التغيير لا تخطئه العين. ربما أن أهم عامل وراء التحول الذي حدث أن إيران رغم تجربتها الخاصة ، ظلَّت تتمتع بثقافة سياسية حقيقية وبلدا أصيلا له تاريخه الخاص به. لقد ارتفع إنتاج النفط في إيران بما يزيد عن 600 ألف برميل في اليوم منذ بداية عام 2016. وإذا كان علينا اجتياز فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط، وهو شيء يتعاظم احتمال حدوثه، فإن إيران ستكون في وضع جيد مع تمتعها باحتياطيات ضخمة من النفط والغاز يمكن تطويرها «بتكلفة وحدة» منخفضة جدا. وتساوي هذه الاحتياطيات، وفق إحصاءات شركة بريتش بتروليوم، 157 بليون برميل من النفط و34 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.

(بحسب موسوعة إنفستوبيديا، تعني تكلفة الوحدة إجمالي النفقات التي تتحملها شركة ما لإنتاج وتخزين وبيع وحدة واحدة من منتج معين أو خدمة معينة. وبالطبع المقصود هنا وحدة النفط - المترجم.) لقد ذهبت وفود فرنسية وألمانية وصينية إلى طهران في الشهور القليلة الماضية. ولكن حتى تاريخ الإعلان عن اتفاق شل بدا أن الروس هم من كانوا في مقدمة ركب المستثمرين هناك حيث وقعوا خطة استثمار استراتيجي لخمسة أعوام في يوليو الماضي . وتشمل تلك الخطة عقدا بإنشاء منصة حفر بحرية بتكلفة بليون دولار واستثمار بليون يورو في محطات كهرباء جديدة. لقد صارت روسيا المرشح المفضل للمساعدة في زيادة الطاقة النووية المدنية لإيران.

وستأخذ الشركات الروسية العديد من حوالى 50 مشروعا مطروحا في قطاعي النفط والغاز. يؤكد اتفاق شل أن بعض الشركات الغربية أصبحت مستعدة الآن لشق وحدة الصف والتفكير في فترة ما بعد نظام العقوبات الأمريكية الحالي. ويوضح الاتفاق، الذي وصف بعناية شديدة أنه مؤقت، استعادة شركة شل لرباطة جأشها وطموحها وإدراكها أن الحصول على إمدادات منخفضة التكلفة عامل حاسم للتنافسية في المستقبل.

ويكشف الاتفاق بطريقة قاسية خوف الآخرين الذين يلزمهم الآن السعي للحاق ( بشركة شل.) لقد أمَّنَت إيران لنفسها حصة إنتاج سخية من أوبك ولكن من الصعب أن نتصور قبولها ببقاء حجم الإنتاج عند حوالي 3.8 مليون برميل في اليوم لفترة طويلة من الزمن. ومن السهل نسبيا لإيران إضافة مليون برميل آخر في اليوم بسرعة شديدة، خصوصا مع تصعيد الشركات الروسية وشركة شل لنشاطها النفطي في إيران. في أعوام السبعينات قبل الثورة، كانت إيران تنتج 6 ملايين برميل في اليوم.

وهنالك حاجة إلى المال لإعادة بناء الهياكل الأساسية لمجتمع أقعدت به عزلة امتدت لفترة عقدين. ويقدم إنتاج النفط إلى حد كبير أسهل طريقة للحصول على هذه الأموال. وبمرور الوقت، سيكون على منتجي النفط الآخرين في أوبك وخارج أوبك التنحي جانبا وإفساح المجال لزيادة الإنتاج الإيراني. السؤال هو : هل سيتم وقف الاندفاعة الإيرانية من جانب الحكومة الأمريكية الجديدة؟ في أثناء الحملة الانتخابية، وصف دونالد ترامب الاتفاق النووي الذي سمح ببروز إيران مجددا بأنه أحد أسوأ الاتفاقات التي شاهدها على الإطلاق. ولكن تلك كانت لغة انتخابية خطابية وكان ذلك النقد مقصودا به الرئيس باراك أوباما وهيلاري كلينتون أكثر مما هو موجه للإيرانيين . أنا أتفق مع روبرت كيغان الذي يقول إن الهجوم العسكري على إيران من جانب إدارة ترامب لا يمكن تصوره.

والأرجح أن يكون هنالك شيء من المفاوضات والإيرانيون يملكون المهارة الكافية للإقرار بأن ترتيبا، مفيدا للطرفين، في متناول اليد تماما. وسيزيد دخول شركة شل إلى إيران من الضغوط على الحكومة الأمريكية القادمة كي تسمح للشركات الأمريكية بالمنافسة على قدم المساواة.

إن ترامب يحب التوصل إلى «صفقة» ومن المتصور أن «المقابل» سيتجاوز كثيرا قضايا الطاقة. ويمكن لإيران الآن، بعد أن كانت قوة ناسفة للاستقرار في الشرق الأوسط خلال معظم فترة الأربعين سنة المنصرمة، أن تجد من المناسب لها استخدام قوتها وسطوتها التي لا شك فيها كي تكون عامل استقرار. ففي سوريا ولبنان وفي الحرب ضد داعش والإرهاب الأصولي ،التي يبدو أنها أولوية لترامب، يمكن أن تكون مشاركة إيران حاسمة وإيجابية. لقد تحركت «حدود الممكن» بعد عام من التحول الدرامي على كل الجبهات. فإعادة المواءمة الاستراتيجية للمصالح، التي كانت ستبدو شيئا خياليا قبل عام، صارت الآن ممكنة تماما .