أفكار وآراء

سنة جديدة مع الفقراء العرب

31 ديسمبر 2016
31 ديسمبر 2016

حيدر بن عبد الرضا اللواتي -

انتهى العام وجاء عام جديد، وتبقى الإنسانية في حيرة من أمرها نتيجة للضعف والفقر والمعاناة التي تنجم عن استمرار الحروب والقتل والإرهاب الذي يصيب الكثير من الناس في أماكن عملهم وتجمعاتهم وصلاتهم ومعيشتهم بصفة عامة، بجانب الأزمات التي تنجم عن استمرار الحروب في الجبهات. وهذا ما نراه اليوم في عدة دول عربية كان أهلها أغنياء في أنفسهم ومالهم وكانوا تجارا وإذا بهم في غضون عدة سنوات أصبحوا فقراء. وهؤلاء موجودون في دول كاليمن وسوريا والعراق بجانب مصر وليبيا ودول المغرب العربي حيث أن معظمهم كانوا ينعمون بالهدوء والاستقرار والإنتاجية مع العيش المشترك. وهناك أناس آخرون في العالم أصبحوا فقراء ولكن الغنى أصاب البعض منهم في دول كالصين والهند والبرازيل وغيرها من الدول الناشئة.

الأزمات التي عصفت بالعالم حولت كثيرا من الناس إلى فقراء في الوقت الذي زادت فيه نسبة الأغنياء، وهي قليلة جدا لا تتعدى 1% من إجمالي عدد سكان العالم. فهناك اليوم أزمات ناجمة عن تراجع إيرادات الدول نتيجة لتذبذب أسعار النفط، إلا أن ثروة أثرياء العالم زادت في العام 2016 بنحو 237 مليار دولار، وفق تقرير نشرته وكالة «بلومبرج» قبل عدة أيام، حيث أشارت الوكالة الاقتصادية أن الثروة المجمعة للأشخاص الذين يتعقبهم مؤشر«بلومبرج» لأصحاب المليارات بلغت بتاريخ 27 ديسمبر 2016 نحو 4.8 ترليون دولار. هذا يعني أنه في خلال عام واحد ارتفعت ثروة أثرى أثرياء العالم منذ بداية العام 2016 بمقدار 237 مليار دولار، في حين زادت ثروة الأشخاص الذي تزيد ثروتهم عن مليار دولار بمقدار 5.7% أو نحو 37 مليار دولار، وبذلك انتقلت الثروات بين قطاعات اقتصادية مختلفة في ظل التقلبات التي شهدتها الأسواق العالمية. من جانب آخر تفيد دراسة جديدة أعدها معهد الأبحاث بكريدي سويس أنه في حالة كان الفرد يملك أصولاً تعادل قيمتها 2930 دولاراً بعد اقتطاع الديون فإنه يشكّل جزءاً من نصف الإنسانية الأكثر غنىً حول العالم. وخلافاً لدراسات أخرى سلّطت الدراسة الأضواء على ممتلكات الأشخاص ومنها قيمة مقتنياتهم واستثماراتهم وعقاراتهم وليس فقط على عوائدهم في سعي لقياس الغنى العالمي بناء على كل أسرة. ومن خلال المعادلة المتبعة فإنه من الأسهل أن ينتقل تصنيف الفرد الى أعلى الهرم. وعندما يملك الشخص 95400 دولار فإنه يشكل جزءاً من 10% من السكان الأغنياء حول العالم بغض النظر عما اذا كانت تلك القيمة من الأموال أو من الممتلكات. ولكي يتمكن الشخص من الوصول الى الطبقة الأكثر غنى حول العالم والتي تمثل 1% من عدد السكان فيتعين عليه امتلاك ما يعادل 992360 دولاراً.

العديد من الدراسات المتعلقة بالفقر والغني تصدر كل عام من مؤسسات دولية وأهلية ترصد فيها هذه التطورات، فقد رصد معهد الأبحاث كريدي سويس أن الأسر على الصعيد العالمي تملك ما يعادل 341 مليار دولار في منتصف العام 2016 أي ما يعادل 3,4 مرات اجمالي الناتج المحلي السنوي في العالم. وتوضح أنه في حال تم توزيع هذا المبلغ بشكل متساو على كل سكان كوكب الأرض فإن كل شخص سيتمكن من الحصول على 70413 دولاراً إنما 10% من أغنى الأغنياء يستحوذون على 89% من إجمالي المبلغ، فيما نشرت مؤسسة «بصيرة» لاستطلاعات الرأي العام في سلسلة أرقامها الدورية أن ٨٠٪ من سكان العالم يستحوذون على ٦٪ فقط من ثروة العالم، وأن أغنى ١٪ من سكان الكوكب لديهم نصف أي ٥٠٪من ثروات الدنيا. ويؤكد الخبراء العاملون في هذا المجال أن هذه الإحصائيات سليمة وصحيحة تماما، وتنطبق على بلدان العالم المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وكذلك على بلدان العالم الصاعدة، مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ومن هي على شاكلتها.

مقابل ذلك هناك مأساة لدى الفقراء بالرغم من أن بعض الخبراء يرون بأن العالم متجه إلى الغنى، ولكن عندما نتحدث عن الدول العربية فانني أرى أن الفقر بدأ يحيط بالكثيرين من الناس، وأن البطالة أصحبت متفشية في الكثير من الدول العربية نتيجة لاستمرار أزمات الحروب والاضطرابات اليومية. ولقد ورد عن أحد رؤساء أفريقيا بقوله: «العالم اليوم أصبح جزيرة أغنياء تحيط بها بحار من الفقراء» عندما تحدث بذلك في مؤتمر الأرض بجوهانسبرغ مشيرا إلى أن معضلة الفقر تزداد يوما بعد يوم رغم التقدم الذي أحرزته البشرية في شتى المجالات، ورغم جني الكثير من خيرات الكوكب التي يجمع الخبراء على أنها كافية لتقديم الرفاهية للمليارات السبعة من البشر الذين يعيشون فوقه لو تم توزيعها بالحد الأدنى من العدالة. وبالرغم مما أقرته منظمة الأمم المتحدة يوما للفقر كل عام ، فانه لم يطرأ جديد على هذه المعضلة في الكثير من الدول العربية سوى إضافة سنة أخرى من السنوات العجاف مليئة بالموت والمرض والجوع نتيجة للحروب والدمار التي تلحق بالأبرياء من فقراء العالم.

قبل عدة سنوات مضت كنا نتحدث عن الفقر بالأرقام ونجد أن ثروة 3 من أغنى أغنياء العالم تعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم كانت تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين. وهذه النسب بقيت كما هي نتيجة لزيادة الدخول السنوية المرتفعة للأغنياء مقارنة بعدد سكان الأرض حاليا. ولقد دأبت منظمة الأمم المتحدة كل سنة على نشر الكثير من هذه الأرقام والحقائق والتي تحمل الأغنياء المسؤولية عن حالة الفقر التي تسود كوكب الأرض والتي تعطي فكرة عن حجم الأزمة التي تقترب كل يوم من حدود الكارثة.

ورغم أن تلك الأرقام تشير إلى أن هناك حوالي 7.5 مليار نسمة يعيشون على كوكب الأرض، أكثرهم في الدول النامية ألا أن أكثر من 3 مليارات يعيشون تحت خط الفقر. كما توضح أيضا أن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90% من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية، بينما نجد أن ثلث السكان في العالم يعانون من مشكلة نقص مياه شرب آمنة أو معقمة، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية. كما يموت أكثر من 35 ألف طفل يوميا بسبب الجوع والمرض ويقضي خمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعا.

وتبرز كل هذه الأرقام الخلل الكبير الحاصل في تمركز رأس المال العالمي، وهو خلل لا يمكن تجاهل تفاعلاته السلبية وما يترتب عليها من آثار وخيمة على البشرية، كما توضح ما آل إليه حال الإنسانية في التغاضي عن هذه الفضيحة الأخلاقية التي تهدد على نحو خطير السلام الاجتماعي.

ورغم هذا التشاؤم تجاه الفقر والانسانية فانه ورد مؤخرا رأيا مخالفا في إحدى مقالات (الفورين أفييرز) في بداية العام الماضي يشير إلى أنه منذ بداية التسعينيات من القرن الماضى فإن الحياة فى البلدان الفقيرة تغيرت بشكل جوهرى إلى الأفضل، وإن ملياراً (أي ألف مليون) قد تخرجوا من حالة الفقر المدقع، وتراجعت بشكل كبير معدلات وفيات الأطفال الرضع، وإن الملايين من الفتيات دخلن إلى المدارس، وإن المجاعة الدورية قد تراجعت إلى نصف ما كانت عليه، كما تراجعت بشدة الوفيات الناتجة عن الأمراض المتوطنة مثل الملاريا والإيدز. ولكن نقول بأن الأحداث والإرهاب والحروب التي ضربت دول الشرق الأوسط ومنها الدول العربية قد قضى على الكثير من هذه الإيجابيات، وأصبح الفقر يتنشر مرة أخرى، وتحتاج البشرية إلى سنوات أخرى لتغيير هذه المعادلة السلبية.