أفكار وآراء

البنوك المركزية الخليجية ورفع سعر الفائدة الأمريكية

24 ديسمبر 2016
24 ديسمبر 2016

د. محمد رياض حمزة -

قرر مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي) رفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية يوم 14/‏‏12/‏‏2016 . ولمح إلى وتيرة أسرع لزيادات أخرى في 2017 . ومع تولي إدارة الرئيس المنتخب “دونالد ترامب” السلطة في 20/‏‏1/‏‏2017 حيث يتوقع أن يبدأ بتنفيذ وعوده بزيادة النمو من خلال خفض الضرائب وزيادة الإنفاق وتخفيف القيود على الشركات. وفي ضوء رفع سعر فائدة الأموال الاتحادية القياسي 25 نقطة أساس إلى نطاق بين 0.50 % و0.75 %. فيتوقع ارتفاع سعر صرف الدولار الى مستويات قياسية خلال عام 2017 مقارنة بالأعوام السابقة، كذلك انخفاض سعر الذهب وبقية المعادن والسلع المقومة بالدولار.

لم تستجب أوروبا للقرار الأمريكي ولم تحذ حذوه فمعظم الاقتصادات الأوروبية لا تزال تعاني من الركود وتتطلع إلى التحفيز فأبقت سعر الفائدة قريب من الصفر. كان ذلك موقف البنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا.

وإثر القرار الأمريكي قررت البنوك المركزية في كل من السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين رفع سعر الفائدة. فأعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي “البنك المركزي” في بيان أنها رفعت معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس من 50 نقطة أساس إلى 75 نقطة أساس. كما قال المركزي الإماراتي رفع سعر الفائدة على الدولار الأمريكي إثر القرار الأمريكي برفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بـ 25 نقطة أساس وأشارت “البيان” إلى أنه وفقاً للبيانات التي أعلنها المصرف المركزي فقد ارتفعت أسعار الفائدة لأجل 6 أشهر التي تعد مؤشراً وسطياً على مستويات الأسعار لمختلف الآجال من 1.1243% في 17 من ديسمبر إلى 1.2071% تقريبا بارتفاع نحو 8.3 نقاط أساس أي بزيادة بلغت نسبتها نحو 7.37%. وقال مصرف الكويت المركزي في بيان إنه رفع سعر الخصم بمقدار 25 نقطة أساس إلى 2.50 %. وجاء هذا الإعلان بعد دقائق من القرار الأمريكي. وقرر مصرف البحرين المركزي رفع أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس. وقال مصرف قطر المركزي إنه رفع سعر الفائدة الرئيسي 25 نقطة. وارتفع سعر الفائدة على الإقراض لليلة واحدة إلى 4.75 في المائة وسعر الفائدة على الإيداع لليلة واحدة إلى واحد في المائة.

القرارات التي تتخذها البنوك المركزية في الدول الصناعية الكبرى برفع أسعار الفائدة أو خفضها، بأي نسبة، تحدث حراكا ماليا استثماريا أو ادخاريا واسعا في البنوك التجارية ومودعيها من شركات وأفراد. إذ أن حجم التداول المالي بين البنوك المركزية وبين البنوك التجارية والشركات والأفراد قد يتجاوز التريليونات من العملة. كما أن حجم الأعمال المحلية والدولية التي تزاولها الشركات ورجال الأعمال والمؤسسات المالية من خلال البنوك التجارية يمكن تحقق المزيد من الأرباح في ضوء ارتفاع أو انخفاض أسعار الفائدة. أما القرارات التي تتخذها البنوك المركزية الخليجية برفع أو خفض أسعار الفائدة مقتفية القرار الأمريكي قد لا يحدث أي أثر أو حراك مالي ملموس لصالح الاقتصادات الخليجية، سواء أكانت بنوكا تجارية أو رجال أعمال أو أفردا مودعين. فتحديد أسعار الفائدة في الدول الخليجية يجب أن يكون منسجما مع واقع الاقتصادات الخليجية وفي ضوء محفزات استدامة النمو فيها.

لذا يتطلع المراقبون إلى البنوك المركزية الخليجية أن تُصدر تقارير عن الآثار التي أحدثتها قراراتها برفع أسعار الفائدة مقتفية القرار الأمريكي خلال بضعة أشهر مقبلة.

إن التأثير المباشر لرفع سعر الفائدة هو ارتفاع تكلفة الاقتراض على البنوك من البنك المركزي. نتيجة لذلك تقوم البنوك برفع كلفة الاقتراض على المقترضين من الأفراد والشركات، ما يقلل من حجم الأموال المتاحة للإنفاق ويؤدي إلى انخفاض في الطلب على السلع (انخفاض إنفاق المستهلكين). وكنتيجة طبيعية لانخفاض الإنفاق الاستهلاكي، تتأثر إيرادات وأرباح الشركات.

من ناحية أخرى، يؤدي ارتفاع تكلفة الاقتراض إلى انخفاض الإنفاق الاستثماري التوسعي من قبل الشركات، وهذا ما قد ينعكس سلبا على نمو الأرباح. وتتأثر ربحية الشركات أيضا من رفع معدل الفائدة في حال تحملها لقروض ذات فائدة متغيرة، حيث إن ارتفاع تكاليف التمويل سينعكس مباشرة على الأرباح.

تتابع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة المتخصصة في شؤون الاقتصاد العالمي توجهات (البنك المركزي الأمريكي) في أسعار الفائدة ويذكر أن رفعها أو بقائها قريبة من الصفر يؤثر في أسواق الذهب والعملات والأسهم وحركة التعامل المصرفي. ويتكرر الحديث عن أثر أسعار الفائدة كلما عقد المركزي الأمريكي اجتماعا لتدارس واقع الاقتصاد الأمريكي من وجهة نظر المركزي الأمريكي أو (النظام النقدي الأمريكي).

وبالرغم من كل ما نقرأ عن ذلك الاهتمام فإن تأثير توجهات أسعار الفائدة الأمريكية يأخذ طابعا إعلاميا مبالغا فيه على صعيد مختلف أنشطة الاقتصاد العالمي. ومع إن رفع سعر الفائدة قد يحدث تأثيرا مباشرا على حركة في أنشطة الأسواق حال الإعلان عنه، إلاّ أن قوانين السوق تعتبر العامل الأهم في الواقع الاقتصادي. وإن قوة الطلب أو ضعفه هو العامل الأهم المحفز للنمو الاقتصادي أو ركوده أو انكماشه.

في أحدث تصريح ل “جانيت يلين” رئيسة مجلس الاحتياطي الاتحادي يوم 14/‏‏10/‏‏2016 قالت “إن مجلسها قد يحتاج إلى سياسة “الزخم القوي” لإدارة الاقتصاد من أجل إصلاح الضرر الناجم عن الأزمة المالية العالمية التي كبحت الناتج وأبعدت أمريكيين عن سوق العمل وتنذر بأن تترك تأثيرا مستداما. ولم تتطرق يلين مباشرة إلى أسعار الفائدة أو المخاوف المرتبطة بالسياسة النقدية. وإن السؤال يتمثل في ما إذا كان من الممكن إصلاح الضرر “بإدارة اقتصاد ‘قوي الزخم’ بصفة مؤقتة يتسم بطلب كلي قوي وسوق عمل قوية وكررت القول “إن الطلب القوي في نهاية المطاف سيحفز الإنتاجية”. وتتناقض آراء الاقتصاديين الأمريكيين أنفسهم على الأثر الذي قد يتركه قرارا برفع أسعار الفائدة . فلجنة السياسة النقدية الأمريكية التي قررت في ختام اجتماع منتصف ديسمبر 2015 رفع معدلات الفائدة الرئيسية التي ظلت قريبة من الصفر منذ أواخر عام 2008 بمقدار 0.25 % لتصل إلى 0.5%. قال محللون أمريكيون إثر صدور القرار “يعد قرار رفع الفائدة خبراً سيئا لأسواق الأسهم إذ تنسحب السيولة من أسواق المال مقابل عائد أفضل على النقد يمكن الحصول عليه في أي وقت ونسبة مخاطرة تكاد تكون معدومة من خلال الودائع.. وكالة التصنيف الائتماني الأمريكية “فيتش” لها رؤية مؤيدة لرفع أسعار الفائدة لتقول “إن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية يؤكد التوسع القوي في الاستهلاك المحلي، وانتعاش سوق العمل، إلى جانب معدلات الباحثين عن عل المستمرة في الانخفاض مما ينتج عنه انتعاش الأجور الحقيقية“. وعارض محللون رؤية “فيتش“ فقالوا “إن زيادة أسعار الفائدة تؤدي إلى إعاقة تعافي الاقتصاد الأمريكي بشكل مباشر. فارتفاع أسعار الفائدة سيؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض للاستثمار ويجعل الادخار أكثر جاذبية بالمقارنة مع الاستهلاك. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إضعاف الطلب المحلي. علاوة على ذلك، فقد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة قيمة الدولار الأمريكي، مما سيضر بالصادرات الأمريكية.

المحللون الذين يريدون إبقاء سعر الفائدة على حاله قريب من الصفر فيقولون “ إن أثر رفع أسعار الفائدة الأمريكية على أسواق المال من قبل “المركزي الأمريكي“ قد يؤدي إلى رد فعل عنيف في الأسواق المالية. ويمكن أيضا أن يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال (وخاصة من الأسواق الناشئة)، وأيضاً إلى تشديد السياسة النقدية العالمية. وبالتالي ضعف النمو العالمي. ويمكن لهذه الآثار أن تمتد إلى الاقتصاد الأمريكي عن طريق التجارة والروابط المالية. ويمكن تخيل حدوث هذا السيناريو إذا لجأ الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من توقع الأسواق. كما أن هناك خطرا تحقق السيناريو الثاني فعلياً لسببين. أولاً: في المرات الثلاث السابقة التي تم فيها رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، أساءت الأسواق تقدير السرعة التي شدد بها البنك الفيدرالي أسعار الفائدة. ومن الممكن أن تكرر الأسواق إساءة التقدير هذه المرة.