مرايا

انفلونزا «المعلم الخصوصي».. بين الوقاية والعلاج!

15 ديسمبر 2016
15 ديسمبر 2016

يولَدُ الصباحُ وبين يديهِ أحلامنا، طُموحاتنا وحتى تلك الأُمنيات الصغيرة التي يشعها نور خافِت في زاوية صغيرة بِداخلِ قلوبنا، ونستيقظُ نحن مع كُلِّ إشراقة لنعانقَ النور الذي يضيء طريقنا نحو الْمُستقبلِ، نُشمِّرُ عن عزْمِنا، نُسابق أقدامنا، حاملين ذاك الطيف الفردوسي بين دفاتِرنا وأقلامِنا، منحوت في ضلوعِنا.

مع كُل صباحٍ هناك لحظة فرح تمتد لتحقيق حلم يسكن في أرواحِنا، مُتنَفِسا البقاء، فينتشرُ فوجُ الطامِحين كأنه الفوج الأكبر، مستظلين بتوفيقٍ رباني يعمهم ولا ينقصهم، مدركين كل الإِدراكِ أن لا شيء يقف أمام تحقيقنا طموحنا، فقط، كل ما علينا هو البحث عن سُبلِ تحقيقها ثم العمل وفق منظومة سيرها، حينها سَندرك أن العالم بأسره يتنحى جانِبا للإِنسان الذي يعرف تماماً إِلى أين يتوجه؟

تولد الأحلام بِولادتِنا، مع كل شهقةِ بكاء يُرسم طيف حُلم ملائكي ويتلاشى على إثره الْكسل، نكبر نحن وتكبر معنا رغبة تحقيقه فنخطو نحوه بُخطى ثابِتة، يبدأ الفرد بتحقيقِ طموحِه من خلالِ التحاقِه بِمؤسسةٍ تعليميةٍ لمدة اثني عشر عاما ملتزما فيها بكل ما من شأنه أن يوصله للنجاحِ والتفوق، متوكِلا على الله ومُتخِذا بِالأَسبابِ، لكن قد تظهر في أثناء ذلِك بعض الظواهِر التي تتفشى بشكلٍ كبيرٍ جداً والتي يكون لها أثر واضِح في حياةِ الطالب الدراسية.. إِيجابا وسَلبا.

إحدى أكثر الظواهِر التي باتت مُتفشِية ومُنتشرة إِلى حدٍ كبيرٍ ظاهِرة [المُعلم الخُصوصي] الذي اتخذه الطلبة كالعصا السِحرية التي توصلهم إِلى النجاحِ وهم جالسون أمامه لساعة أو ساعتين بِالكثيرِ مقابل أجر مادي، دون جُهد أو اجتهاد. وتختلف الأسباب التي تدفع طلاب العلمِ لاختيار [المعلم الخصوصي]  بدلا من المعلم الأساسي في شرحِ المادةِ العلمية وتأصيلها فيهم، أهمها: أن المعلم الخصوصي مصدر تعليمي إِضافي وبِشروطٍ يسيرة، حيثُ لا يُطلب من الطالب سِوى مبلغ مادي مقابل ما يقدمه لهم، مهما كانت جودة المادة العلمية وصلاحيتها، إِضافة إِلى كونه [الملاك الطائِر] الذي سيزيل ذاك الوجه العابس وسيبدله فرحا لا يزول!

إِضافةً إِلى ذلك، يعتقد طلابنا أن المعلم الأساسي ليس ذات كفاءة كافِية لإِيصال المادة العلمية وأنه غير قادِر على منحِهم درجة النجاحِ الْتي توصلهم إِلى أحلامِهم الْمُعلقة بِخيوطٍ من الجنةِ، خصوصاً في المراحل التعليمية الكبرى كالحادي عشر والثاني عشر كونها مراحل مصيرية ترسم ملامح المستقبل، غير مُدركين أن المدرسة تحرص كل الحرص على منحهم أفضل المعلمين كفاءة وأكثرهم خبرة كونهم يشكِّلون الفِئة الأقرب لصنع مستقبل هذا الوطن الغالي.

كذلك قد يشّكل ضغط الأسرة أحد أهم أسباب لجوء الطلبة للمعلم الخصوصي، ذلك الضغط النفسي الذي يجعله يرتجف أمام كل حرف في كُتبه الدِّراسِية لأن أسرته تطلب نجاحا غير عادي، نجاحا ساحِقا يعلو إمكاناته وقدراته ومستواه التعليمي، بذلك قد يضطرب المناخ النفسي للطالب مما يجعله باحثا عن كل الأسباب التي تعينه لتحقيق المنتظر منه.

للأسف، هذه القضية لم تكن مجرد أمر مُخبأ خلف جُدران منزل المعلم الخُصوصي، ولم يكن شيئا مخفيا بين أوراقِ الَّشرحِ المُتناثرة، ولم يكن وقتا من عُمرِ الَّأمس مضى وانقضى، بل ألحق  بمُنتسبيه وغيرهم أَضرارا كان لها الأثر الواضِح في تبنِّي هذه القضية على أّلْسِنةِ الّناسِ معلمين كانوا، طلاباً أم آباء، جميعهم كان يلمس بشكلٍ أو بِآخر أثر هذه القضية الحساسة جِداً.

أكثر العواقب وُضوحا هدم الثقة بين الْمُعلمِ الأساسي والطالبِ حيث ستولد الكثير من الأسئلةِ: لم؟ أين؟ كيف؟ متى؟ ومن؟ وتبدأ رحلة البحثِ عن حقيقةِ أمر غير موجود، أو رُبما هو موجود ولكنه بِحاجة للإِيضاح، حيثُ إننا يجب أن نُعطي المُعلم فرصة لإِصلاح النُقاط التي لا تُعجبنا في طريقة شرحِه أو طريقة إِيصالِه للمعلومة، وعدم اللجوء مُباشرةً للمُعلمِ الْخصوصي كحلٍ مُباشر – ذلك لما له من وقع كبير الأثر على المُعلم - دون محاولة إِصلاح تِلك النقاط من خلال التواصل الشفهي بين الطالبِ وأُستاذه.

كذلِك يعد المُعلم الخصوصي أشبه بِـ[تِجارةٍ رِبحيةٍ]  وخسارةٍ للوقتِ والمالِ معا، حيثُ إن الوزارة ومن عليها تسعى جاهِدة لرفع كفاءة التعليم وذلك تأكيدا وتنفيذا للأوامرِ السامِية التي تنشد أهمية صنع جيل واعٍ، مُتعلم، قادِر على بِناءِ وطنه وصنع رُقيه في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ، وترجمة للاهتمام السامي بهذا القِطاع المهم، كيف لا وقد كان أول أمر قُرآني أُنزل على الْمعلم الأول، خير البشريةِ جمعاءْ، سيدنا ورسولنا الأعظم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه، حيث قال له الرحمن وهو في الغار قد جاءه الوحي: (اقرأ) .. إنه لأمرٌ عظيم! فبدلاً من الذهابِ والإِيابِ، علينا استغلال خبرة المُعلمِ الأساسي والاستفادة من كفاءته، لأن هدفه غير ربحي بتاتاً، بل مُمارسة مهنة شريفة عظيمة مستشعراً الرقابة الإِلهية كل لحظة.

أخيراً، إِننا نقف أمام الْمُستقبلِ الذي يود هذا الوطن أن يعيشه، نقفُ أما درع الوطن وقوته وعِزته، نقف أمام الجسد الاجتماعي ورواد الغدِ، وسفراء الوَطنِ، نقفُ أمام طلاب العلمِ الأَوفياءِ لدينهم أوْلاً، لتلك الِّرسالة المُحمدِية الطاهِرة، ولوطنهم ثانِياً، لذاك القائِد الذي يمضي كل لحظةٍ في حياتِه لإِسعاد أفراد شعبه الأَوفياء. عازمين أن نحقق ما تنتظره هذه الأرض وقائِدها العزيز حين شد عزمِنا، وشمّر عن طاقاتِنا، وأفسح لنا الطريق لِنعمل.. لنُبدع.. لنتقِن.. لنخلص، مِصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: { وَقُلْ اِعْمَلُوْاْ فَسَيَرَىْ الْلهُ عَمَلَكَم وَرَسُولُه وَالمُؤمنُونْ} صدق الله العظيم.

منطلقين من التوجيهاتِ السامِيةِ التي تستلحف طموحاتنا وأحلامنا، حين قال في خِطابه السامي: [المُستقبلُ هُو الذي ينْبغي أن يكون مَدارَ تفكيرنا وتخطيطنا]  لِنعمل جاهدين ليتحقق حُلم كل من أصاب ساعة الزمن، وتوسَّد فضاءات المُستقبلِ واعتمر قُبعة الاجْتهادِ والْعملِ، لنصنع دولة مُسلحة بِأَفْرادِها الْمتعلمين، الْمُثقفين، مُنتصرين لا محالة في معكرتهم أمام الجهل، رافعين راية النصر بكل عزم واقتدار، لنغدو مثالاً شُعلة عِلم، ونبني بِلادا بخيرٍ وسلم، ونسعى جِهادا لتحقيقٍ حُلم.

بقلم -  اليقين بنت خالد الغافرية

الصف -  الثاني عشر