الملف السياسي

التعاون والتكامل الخليجي يتعزز .. بكل أعضائه!!

12 ديسمبر 2016
12 ديسمبر 2016

د.عبدالحميد الموافي -

بالرغم مما هو معروف من تغيرات السياسة وتقلبها، ومن تكتيكات الحكومات المختلفة لتحقيق مصالحها المباشرة حينًا، وغير المباشرة أحيانًا أخرى وفقًا لرؤيتها وتقييمها لتلك المصالح، وللسبل المناسبة لتحقيقها في ظل الظروف والتطورات المختلفة، محليًا وإقليميًا ودوليًا، إلا أنه تظل هناك عناصر وجوانب أكثر ديمومةً واستقرارًا وأقل تأثرًا بتفاعلات الأحداث في علاقات الدول والشعوب، وهذه العناصر والجوانب تشكل في الواقع الكوابح المانعة للانزلاق نحو خلافات أعمق أو تباينات أوسع يمكن أن تضر بمصالح الدول والشعوب بشكل أكبر مما هو منظور أو متوقع في لحظة ما، أو تحت تأثير ما، وإذا كانت الوشائج والروابط الشعبية والرسمية، والتاريخ والمصير المشترك، والمصالح المتداخلة والمتبادلة أيضا المنظورة وغير المنظورة تشكل جانبًا أساسيًا وبالغ الأهمية في علاقات دول وشعوب مجلس التعاون لدول الخليج العربية أمس واليوم وغدا فإنه من المؤكد أن ما يربط بين دول مجلس التعاون وشعوبه أيضًا، وبين محيطها العربي والإقليمي من مصالح وروابط وتاريخ وتأثير متبادل لا يمكن فصله أو عزله أو التعامل المعملي معه سواء بحكم تداخل الجوانب والوشائج السياسية والاقتصادية، أو بحكم امتدادات الروابط الاجتماعية والثقافية والدينية عبر الحدود، وعلى امتداد الزمن، وبقدر إدراك هذا البعد بقدر صعوبة الاستخفاف، أو الاستهانة بقيمة وأهمية هذه الروابط والوشائج التي تراكمت بمرور مراحل التاريخ المختلفة التي تظل هناك وحتى هذه اللحظة، فالاتفاقيات ومذكرات التفاهم في العديد من المجالات، بما فيها الجوانب الأمنية بين دول ضفتي الخليج جميعها على سبيل المثال، بقدر ما تظل الفرص سانحة لعلاقات أفضل وأكثر تقاربًا وتعاونًا بينها جميعها، وعندما تتهيأ الظروف الخاصة بذلك، وهو ما تحرص كل دول الخليج على تأكيده، بغض النظر عما يحفل به الإعلام أحيانا من شطحات ورسائل ملغومة، أو مواقف غير محسوبة، أو منفعلة على هذا الجانب أو ذاك، لسبب أو لآخر، ولعل ذلك كله هو ما يعزز من أهمية وضرورة التعامل الهادئ والواعي، وبعيد النظر أيضا مع قضايا هذه المنطقة الحيوية من العالم وتطوراتها، وهي منطقة تظل متداخلة المصالح والعلاقات بغض النظر عن تقلبات السياسة وأفاعيلها ومكايداتها المباشرة وغير المباشرة أحيانًا!، وهي التي لحسن الحظ سرعان ما ينقشع تأثيرها وينساها الكثيرون؛ لأن التكتيك في النهاية هو وسيلة مؤقتة.

على أية حال فإنه من الطبيعي بل والضروري أن يحظى التعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية باهتمام كبير وعميق، خاصة مع انعقاد الدورة السابعة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في العاصمة البحرينية المنامة يومي السادس والسابع من الشهر الجاري، وهي التي شكلت في الواقع خطوة أخرى هامة وعميقة الدلالة على صعيد حرص دول مجلس التعاون جميعها على دفع وتعزيز مسيرة التعاون والتكامل فيما بينها على نحو يخدم مصالحها المشتركة والمتبادلة اليوم وللأجيال القادمة، وإتاحة الفرصة لاستكمال مختلف جوانب التكامل بين دول المجلس تجاوبا مع تطلعات دول وشعوب المجلس من ناحية، وتفاعلاً أيضًا مع مختلف التطورات الخليجية والإقليمية والدولية من ناحية ثانية، وهو ما يعكس توافقًا وحرصًا متبادلاً ومحمودًا أيضا بين دول المجلس للحفاظ على مسيرة تعاونها وتكاملها، وتخطيها لأية صعوبات أو عراقيل قد تحد أو تؤخر من تحقيقها لأهدافها التي يتطلع إليها المواطن الخليجي، وفي مقدمتها الشعور الأعمق والأوسع بإيجابيات هذه المسيرة الخيرة على حياته، وبقدرتها أيضا على حماية أمن واستقلال الدول الأعضاء ومنع أية تدخلات في شؤونها الداخلية، أو تهديدات، مباشرة أو غير مباشرها، لأمنها القومي فرديا وجماعيا أيضا، ومن هذا المنظور فإن قمة المنامة كانت بالفعل إضافة ذات دلالة على صعيد تعزيز مسيرة التعاون والتكامل بين دول المجلس الست، وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:

*أولاً: إنه بغض النظر عن بعض الضجيج الإعلامي وشطحات البعض ربما لحسابات أو طموحات ذاتية ما على صعيد أو آخر فإن اجتماعات قمة المنامة قد واصلت السير في الواقع على درب التعاون والتكامل الخليجي الذي خبرته واستفادت منه دول وشعوب المجلس والمنطقة أيضا على مدى ثلاثة عقود ونصف العقد –أي منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981م– وهو درب التعاون والتكامل التدريجي والحريص على الحفاظ على اللحمة الخليجية بين دول المجلس وشعوبها جميعها، يقينًا وإدراكًا على أرفع المستويات، فإن مصالح دول المجلس وشعوبه تتحقق بشكل أكبر وأفضل وأكثر ديمومة عبر تعميق تماسك وترابط دول وشعوب المجلس وعبر توسيع وتعميق المصالح المشتركة فيما بينها على كل المستويات، حتى إن تطلب ذلك وقتًا أطول ليس فقط لأن دول المجلس وشعوبه لم تعرف أساليب الطفرة أو حرق المراحل في تطورها الاجتماعي والاقتصادي على مدى تاريخها الحديث، ولكن أيضا لأن هذا الأسلوب قد أثبت نجاعته ونجاحه في تعميق وتوسيع مساحة المصالح المشتركة والمتبادلة رسميا وشعبيا، وهو الآن أكثر أهمية وضرورة لصالح حاضر ومستقبل دول المجلس وشعوبه، والمنطقة أيضا من حوله. بغض النظر عما قد يراه البعض، أو عن تقييمهم لما حققه مجلس التعاون خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية، فمع التقدير لكل الآراء –بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق معها– فإن صيغ التعاون والتكامل بين الدول تستغرق وقتا غير قليل لتعطي ثمارها العملية والملموسة، بغض النظر عن تسمياتها البراقة أو الجذابة عادة، والأمثلة في هذا المجال كثيرة أوروبيا وإفريقيا وعربيا أيضا من قبل.

ولعله من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد أكدوا في «إعلان الصخير» على ضرورة العمل لتحقيق المزيد من التكامل والتعاون المشترك لتطوير المنظومة الدفاعية والمنظومة الأمنية لمجلس التعاون ليكون دورها أكثر فاعلية وقدرة على ردع أي اعتداء أو مساس بسيادة دول المجلس، كما أكدوا على أن التكامل الاقتصادي لدول المجلس يشكل ركيزة رئيسية لدعم الأمن والاستقرار، ومن ثم أكدوا دعمهم ومساندتهم لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية عالية المستوى التي تهدف إلى تطوير التعاون في الشؤون الاقتصادية والتنموية وتنفيذ القرارات والاتفاقيات المتعلقة بها وتسريع وتيرة العمل لإنجاز السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والربط المائي وغيرها من المشاريع التنموية التكاملية، كما أكدوا على أهمية دعم وتطوير دور الشباب في تفعيل البرامج والأنشطة والفعاليات التي تسهم في تعميق الترابط والتكامل وترسخ الهوية الخليجية وتعزز قيم التسامح والاعتدال والتعايش القائمة في دول المجلس وتحقق طموحات الشباب لمستقبل أفضل، ومع إدراك أهمية وقيمة ما أكدت عليه القمة في المجالات المشار إليها فإن الترجمة العملية لذلك هو ما يحقق فائدتها على أرض الواقع، وهو ما يحتاجه فيه العمل الخليجي المشترك إلى كل جهود ومساهمات الدول الأعضاء، سواء بشكل فردي أو بشكل جماعي عبر هيئات المجلس ولجانه المختلفة.

*ثانيا: إنه في ظل الموقف العماني المعروف والداعم بشكل حقيقي ودائم لمسيرة التعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ وقت مبكر على مدى العقود والسنوات الماضية، والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى فإن مما له دلالة عميقة أن صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء قد أكد في بيانه الصحفي لدى وصوله إلى المنامة للمشاركة في اجتماعات القمة نيابة عن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم –حفظه الله ورعاه- «إن التوجه نحو إعطاء المزيد من التطوير لمجالات التعاون الاقتصادية وتفعيلها لهو خطوة رائدة للارتقاء بآليات العمل المشترك وتعزيز علاقات المجلس مع المجموعات الدولية لما له من مردود إيجابي على معدلات النمو التي تعود بالنفع على أبناء هذه المنطقة الواعدة. إن سلطنة عمان قيادة وشعبا لتؤكد مجددًا دعمها الكامل لإنجاح كافة الجهود الرامية إلى دعم المسيرة الخليجية تحقيقا لطموحات الأجيال الحاضرة والمتعاقبة». وإذا كنا بالتأكيد في غير حاجة إلى التذكير أو الإشارة إلى الكثير مما قدمته سلطنة عمان من مقترحات لدعم وتعزيز التعاون والتكامل الخليجي، وما اتخذته من مبادرات في هذا المجال، سواء قبل قيام مجلس التعاون أو بعده، فإن وضوح وشفافية المواقف العمانية، وتعاملها الواعي مع متطلبات دعم مسيرة التعاون والتكامل بين دول المجلس، وحرصها على تقوية هذه المسيرة حفزها دوما على بذل كل ما يمكنها، ليس فقط للالتزام بتنفيذ قرارات القمم الخليجية، وقرارات المجلس الوزاري لمجلس التعاون، وما يتم الاتفاق عليه في اللجان والهيئات المختلفة لمجلس التعاون، ولكن أيضا على صعيد دعم وتعزيز العلاقات بين السلطنة ودول المجلس، وبينها وبين الدول الشقيقة والصديقة الأخرى في المنطقة وخارجها بما يخدم مصالح دول المجلس والمنطقة من حولها على مختلف المستويات سياسية واقتصادية وتجارية وغيرها، وقد أثبتت الكثير من التطورات أهمية بل وضرورة الإسهام العماني الإيجابي والمسؤول من أجل حل أو التهيئة لحل خلافات وأزمات أثرت وتؤثر بشدة على دول المنطقة وشعوبها، الآن وفي المستقبل. كما وظفت علاقاتها الطيبة مع كثير من القوى الدولية لخدمة مصالح المنطقة وشعوبها، ومن ثم رحبت السلطنة بالشراكة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمملكة المتحدة لتعزيز الأمن والسلام والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية، وذلك في ضوء القمة التي عقدت بين قادة مجلس التعاون ورئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي في المنامة، وذلك في ختام قمة المنامة لقادة دول المجلس.