الملف السياسي

مراجعة شاملة للسياسات والمبادرات الاقتصادية والتنموية

12 ديسمبر 2016
12 ديسمبر 2016

د.أحمد سيد أحمد  -

شكل مجلس التعاون الخليجي أحد أبرز نماذج العمل المشترك خلال العقود الثلاثة الماضية، ومع تفكك وإخفاق الكثير من التكتلات الاقتصادية في العالم، فإن المجلس منذ نشأته في عام 1981 وهو يسير بخطى ثابتة ومتراكمة على طريق التعاون والتكامل الاقتصادي لتلبية وتحقيق طموحات وآمال الشعوب الخليجية وقد تطور العمل الاقتصادي الخليجي المشترك نتيجة لرغبة وإرادة قادة دول المجلس وهو ما انعكس في القرارات العديدة التي تتخذها القمم الخليجية الدورية والتشاورية، وأخرها القمة الـ37 بالمنامة التي أكدت عبر إعلان الصخير أهمية الاستمرار في تعزيز العمل الخليجي المشترك في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والمعرفية وتسريع العمل بالسوق الخليجية المشتركة.

ونظرة على حصاد العمل الخليجي الاقتصادي المشترك خلال 35 عاما نجد أنه تحقق الكثير من الإنجازات المهمة على صعيد التكامل والوحدة الاقتصادية، فقد تم توقيع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة في عام 1981، ثم إقامة منطقة تجارة حرة في عام 1983، وتلاها الاتحاد الجمركي في عام 2003 واتفاقيات المواطنة الاقتصادية (2001-2007). وجاءت خطوة السوق الخليجية المشتركة في يناير 2008، ودخلت اتفاقية الاتحاد النقدي حيز النفاذ في فبراير 2010. وكل هذه الخطوات المهمة عكست منهج المؤسساتية التي يتحرك فيها العمل الخليجي المشترك، ودفعت باتجاه تطوير مجالات التعاون المختلفة. فقد ارتفعت التجارة البينية الخليجية من 5 مليارات دولار عام 1983 إلى 125 مليار دولار عام 2015 ، وتحتل دول دول مجلس التعاون المرتبة السابعة عالميا في إجمال التبادل التجاري. وأصبح التكتل الخليجي واحدا من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم، حيث قدر حجم اقتصاد المجلس نهاية عام 2014 حوالي 1.7 تريليون دولار، متقدما بذلك على اقتصاديات كثير من الدول الصناعية، حيث احتل المرتبة 12 على مستوى العالم، ومستحوذا على ما نسبته 35.4% من حجم الصناديق السيادية حول العالم حيث تقدر بـ2.3 تريليون دولار، وتحظى دول مجلس التعاون الخليجي بمقومات عديدة تمكنها من أن تكون أكبر سادس اقتصاد في العالم. إضافة إلى الخطوات الكبيرة التي اتخذت على طريق تحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية الكاملة.

كما توجت مسيرة العمل الخليجي المشترك بإنشاء هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية بقرار من قادة دول مجلس التعاون في جلستهم التشاورية السادسة عشرة التي عقدت يوم 31 مايو 2016 ، وهدفت إلى إزالة المعوقات التي تحول دون ترجمة الاتفاقيات والقرارات الخاصة بالعمل المشترك خاصة الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، وتذليل تلك العقبات ومتابعة تنفيذ الاتفاقيات السابقة من أجل تمهيد الطريق أمام تحقيق الوحدة الاقتصادية الكاملة.

لكن رغم الإنجازات الكبيرة التي تحققت على طريق التعاون والتكامل الاقتصادي المشترك،إلا أنها لا تتناسب والطموحات والآمال نتيجة لعديد من المعوقات والتحديات العديدة وأبرزها:

أولا: وجود فجوة بين ما تم التوصل إليه من اتفاقيات وقرارات خاصة بالعمل الاقتصادي التكاملي المشترك وبين ما تم تنفيذه على أرض الواقع نظرا للعديد من العقبات البيروقراطية والتشريعات الوطنية المختلفة بين دول المجلس، وبطء وتيرة تنفيذ تلك الاتفاقيات، خاصة أنه حتى الآن لم يتم استكمال الاتحاد الجمركي الكامل كذلك لم يتم تنفيذ كل بنود السوق المشتركة، وهو ما يعرقل الوصول إلى الدخول في مرحلة الوحدة النقدية والعملة الموحدة وبلوغ الوحدة الاقتصادية الخليجية الكاملة.

ثانيا:تواضع حجم التجارة البينية بين دول المجلس، فعلى الرغم من الأرقام السابقة التي تظهر تطورا كبيرا في حجم تلك التجارة إلا أنها مازالت متواضعة بالنسبة للإمكانيات الكبيرة لاقتصاديات دول المجلس، وهذا يعود إلى تشابه اقتصاديات تلك الدول واعتمادها على الاقتصاد الريعي المتمثل في تصدير النفط والغاز للخارج وضعف وتشابه الصناعات والسلع التي يمكن أن تساهم في زيادة التعاون والتبادل التجاري.

ثالثا: ضعف دور القطاع الخاص الخليجي في الأنشطة الاستثمارية في دول المجلس بالمقارنة مع استثمارات هذا القطاع في الخارج، حيث ما زالت الدولة هي الفاعل الرئيسي في عملية التنمية والصناعات الإستراتيجية، كذلك عدم وجود اختلاف في المزايا النسبية لعوامل الإنتاج ، مما يحد من تحفيز القطاع الخاص في توسيع أنشطته الصناعية والخدمية داخل دول المجلس . كذلك ضعف دور الشباب الذين يشكلون 70% من عدد سكان مجلس التعاون، في عملية التنمية والإقبال على العمل الخاص والمشروعات الصغيرة ، ولذلك لابد من وجود استراتيجية لإشراك الشباب ودمجهم في العملية التنموية وكذلك نشر الوعى لدى مواطني دول المجلس بأهمية العمل الخليجي المشترك وضرورته لرفاهية وتقدم دول المجلس ورفع مستويات معيشة شعوبه.

رابعا:عدم وجود قاعدة بيانات مشتركة، لعدم توحيد المعايير الإحصائية أو المعايير التي تتابع المتغيرات الاقتصادية كالنمو والتضخم والادخار وحجم الناتج المحلى وغيرها، وهو ما يشكل عائقا أمام تدفق الاستثمارات البينية بين دول المجلس، وقد برز ذلك في ضآلة عدد المشروعات الصناعية المشتركة برأس مال خليجي مشترك فقط، حيث بلغت عام 2013 نحو 232 مشروعًا، وكانت قيمة استثماراتها المتراكمة نحو 23 مليار دولار، واستوعبت نحو 59.2 ألف موظف وعامل،وهذا يعود أيضا إلى ضعف دور القطاع الخاص في دول المجلس.

خامسا: يظل التحدي الأساسي الذي يواجه العمل الخليجي المشترك هو تحقيق التنوع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط والغاز كمصدر أساسي للدخل القومى، خاصة مع الانخفاض الكبير في أسعارها عالميا وهو ما أدى لتداعيات سلبية على كل دول المجلس وعلى مسيرة العمل المشترك، فقد ازداد عجز الموازنة في كل الدول الخليجية وتجاوز الـ153 مليار دولار في عام 2016، وهو ما أدى لانكماش الإنفاق الاستثماري. وعلى الرغم من أن دول المجلس حققت خطوات مهمة في اتجاه التنويع الاقتصادي خاصة سلطنة عمان، والتوسع في المجالات والقطاعات غير النفطية مثل الصناعة والزراعة والسياحة والثروة السمكية والخدمات، إلا أنها لا تزال تشكل نسبة ضئيلة في مساهمتها في حجم الناتج القومى،كما أن التوسع في الصناعات التحويلية وصناعة البتروكيماويات مرتبط بشكل أو بأخر بالنفط والغاز.

ولذلك فإن تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي والاستثمار في قطاعات جديدة خاصة القطاع الصناعي والمشروعات المتوسطة والصغيرة ومشروعات ريادة الأعمال من شأنها أن تساهم في دفع العمل الخليجي المشترك. وهنا تبرز أهمية الاعتماد على مفهوم الميزة النسبية واختلاف السلع المنتجة حتى تساهم في عملية التكامل والتبادل التجاري بدلا من تشابه السلع وتنافسها كما تبرز أهمية إزالة كل العقبات التي تعرقل التبادل التجاري مثل تعدد منافذ الجمارك والرسوم، والتوسع في إنشاء الطرق والمواصلات التي تخدم التجارة وإنشاء شبكة من الطرق البرية بين دول المجلس، ولا شك أن إنشاء خط سكك حديدية للربط بين دول المجلس من شأنه أن يساهم بشكل كبير، بعد انتهائه، في انتقال السلع والأفراد والخدمات داخل مجلس التعاون. كذلك أهمية تحقيق التجانس بين التشريعات الاقتصادية في دول المجلس وإزالة كل صور الازدواج الضريبي والنقدي والمالي، والعمل على بناء منظومة إحصائية موحدة ومتكاملة للوفاء بمتطلبات الاتحاد النقدي وتفعيل الرصد المنتظم للبيانات الإحصائية، وتوافر إحصاءات متكاملة ومتجانسة بين الدول الأعضاء. كما تبرز أهمية المراجعة والمتابعة من خلال إجراء مراجعة شاملة للسياسات والبرامج والمبادرات الاقتصادية والتنموية لمجلس التعاون بهدف تطويرها، وضمان كفاءتها وفاعليتها، وفقا لأفضل الممارسات الدولية المتبعة، ولذلك فإن تشكيل هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية تمثل خطوة مهمة في هذا الاتجاه.

وفي الختام تحظى الدول الخليجية بكل مقومات التكامل والتعاون وصولا إلى مزيد من التكامل الاقتصادي خاصة مع وجود إرادة سياسية قوية لدفع العمل المشترك في ظل التحديات الخارجية المتزايدة خاصة مع تقلب وانخفاض أسعار النفط وتزايد التهديدات والمخاطر الأمنية وخطر الإرهاب وتراجع معدلات النمو العالمية، وكلها تفرض حتمية الاستمرار في تفعيل وتطوير العمل الاقتصادي الخليجي المشترك ومراجعة ما تم تحقيقه من إنجازات وما لم يتم تحقيقه وإزالة المعوقات والتحديات التي تواجهه،ولذلك فقد شكلت قمة المنامة خطوة مهمة في العمل الخليجي المشترك نحو مزيد من التعاون والتكامل.