الملف السياسي

مسار جديد للاستقرار الإقليمي والتكامل الاقتصادي

12 ديسمبر 2016
12 ديسمبر 2016

العزب الطيب الطاهر -

شكلت قمة المنامة الخليجية والتي عقدت يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين - وهي السابعة والثلاثين منذ تأسيس منظومة مجلس التعاون في الخامس والعشرين من مايو 1981 في مدينة أبو ظبي- نقطة مفصلية سواء من حيث الشكل أو المحتوى ويمكن القول إنها أسست لمرحلة مغايرة ستوفر مقومات الانتهاء من معظم معوقات العمل الخليجي المشترك التي ما زالت تفرض حضورها وإن لم تقلل من فعالية المنظومة أو كفاءتها على مدى الخمسة والثلاثين عاما المنصرمة، فمن حيث الشكل، فإن القمة لم تكتف فقط باجتماعها على مستوى قادة الدول الست أو من يمثلهم ولكنها استضافت لأول مرة لقاء مشتركا -هو الأول من نوعه مع تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية أو حسب التعبير الرسمي قمة خليجية أوربية على هامش القمة الخليجية العادية وهو ما أعطى زخما سياسيا وإعلاميا غير مسبوق في متابعة القمم الخليجية .

أما من حيث المحتوى، فإن القمة أو بالأحرى القمتين انطوتا على رؤى جديدة، للتعامل مع المعطيات الإقليمية، وبالذات ما يتعلق بتفعيل أداء منظومة مجلس التعاون الخليجي ورفدها بعوامل قوة، في أغلبها ذاتية، ستدفع بها في المراحل المقبلة لتكون واحدة، من أهم المنظمات الإقليمية الأكثر فعالية، وقدرة على الإنجاز والتحول بوتيرة أكثر سرعة، للتفاعل مع متطلبات المواطن الخليجي، الذي بات يشعر بمقدمات إيجابية خلال العقد الأخير على حياته اليومية، لاسيما مع بدء تطبيق المواطنة الاقتصادية.

في تقدير كاتب هذه السطور، فإن القمتين وضعتا مسار منظومة مجلس التعاون الخليجي على سكة الاستقرار الإقليمي، وذلك بفعل ما جسده قادة وممثلو الدول الست، فضلا عن اللقاء مع رئيسة الوزراء البريطانية من قرارات وإجراءات، من شأنها أن تدفع بالتكامل على الصعيد العسكري والأمني والدفاعي إلى خطوات أكثر تقدما، صحيح كانت ثمة إجراءات وخطوات قد اتخذت في هذا الصدد، لاسيما بعد الغزو العراقى للكويت في مطلع تسعينيات القرن الفائت، بيد أن الأمر كان يتطلب المزيد من الخطوات على نحو يقود إلى قدر أكبر من التنسيق بين جيوش دول المنطقة، وهو ما تجلى في تأكيد قادة دول المجلس على تحقيق مزيد من التكامل والتعاون المشترك، لتطوير المنظومة الدفاعية والمنظومة الأمنية ليكون دورهما أكثر فاعلية، وقدرة على ردع أي اعتداء أو مساس بسيادة دول المجلس، ولعل«التمرين المشترك أمن الخليج 1 »الذي احتضنته مملكة البحرين الشهر الماضي، جسد الخطوة الأولى في هذا الاتجاه النوعي، فقد وضع خريطة أمنية متكاملة لدول المجلس، على أساس أن أمن الخليج كل لا يتجزأ، وأن الحفاظ علي أمنها واستقرارها، يخدم مصالح ودول العالم ويسهم في حفظ الأمن والسلم الإقليمي.

وفي هذا السياق فإن الأمر سيستوجب تكثيف التمرينات والتدريبات المشتركة بين جيوش دول المجلس على نحو يحقق التجانس فيما بينها على الصعيد العملياتي وربما على صعيد العقيدة القتالية، ورموز الأسلحة والعتاد العسكري، وذلك حتى يشهد التعاون العسكري والدفاعي والأمني درجة أعلى مما كان قائما في الماضي.

وفى السياق ذاته فإن الخطوات التي تم الاتفاق عليها مع الجانب البريطاني، في إطار الشراكة الاستراتيجية التي أعلنت يوم الأربعاء الماضي بين الطرفين، تشكل تطورا لافتا في مسار الاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج ومن أبرزها الاتفاق على توفير فرص التدريب والتمارين المشتركة، بين جيوش المنطقة والقوات البريطانية والتنسيق المعلوماتي والاستخباراتي، والمضي قدما في خطوات زيادة التعاون العسكري المشترك لمعالجة التهديدات الحالية، وتحصين الدفاعات في المنطقة، ويشمل ذلك وجود المملكة المتحدة في جميع أنحاء الخليج، بما في ذلك التنسيق على مستوى مجلس التعاون، من خلال هيئة دفاع بريطانية إقليمية يكون مقرها دبي، مع التأسيس لحوار للأمن الوطني لبناء قدرات دول المجلس والمملكة المتحدة، على صعيد تنسيق القضايا الأمنية بشكل أكثر فعالية ووضع إطار للاستجابة للأزمات.

وكان لافتا في هذا الصدد تأكيد تيزيزا ماي رئيسة وزراء المملكة المتحدة على «أن أمن الخليج هو من أمن بريطانيا» وتلك عبارة تقال لأول مرة من قبل دولة كبرى لديها التزامات قديمة بأمن المنطقة، ما أشر إلى نزوع بريطاني لبعث الطمأنينة في قلوب دول المنطقة، لاسيما مع تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بأنه يتعين على دول مجلس التعاون أن تدفع كلفة قيام الولايات المتحدة بحماية أمنها، وهو قول يعكس التوجه الأمريكي الذي بدأت إشاراته الأولى في عهد باراك أوباما بالانكفاء الأمريكي عن الشرق الأوسط، وفى القلب منه الخليج والولوج إلى مناطق أخرى، ربما تكون أكثر أمنا وأقل أضرارا للوجود العسكري الأمريكي، وفى مقدمتها شرق آسيا .

ولا يبدو أن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، بصدد التحول من الحليف الأمريكي إلى الحليف البريطاني، فوفقا لما أعلنه الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية البحرين في المؤتمر الصحفي، الذي أعقب قمتي المنامة مساء الأربعاء الماضي، فإن التزام المملكة المتحدة بأمن الخليج ومواجهة التحديات التي يتعرض لها، لا يعنى انسحابا أمريكيا من هذه المنطقة الحيوية. وحسب رؤيته، فإن كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا دولتان حليفتان، وهما موجودتان في الخليج وملتزمتان بضمان أمنه واستقراره.

بالطبع كان المقصود بوضوح من التشديد البريطاني على الالتزام بأمن الخليج هو توجيه رسالة قوية، بهذا الخصوص لطمأنة دول مجلس التعاون بالنسبة للمساندة البريطانية لها. من جانب آخر برز الجانب الاقتصادي والتنموي مجالا حيويا في قمتي المنامة، وانطوى بالفعل على سلسلة من الخطوات التي ترمى إلى إزاحة أكبر قدر من العوائق القديمة، وفى صدارتها دعم ومساندة هيئة الشئون الاقتصادية والتنموية عالية المستوى - وهى مؤسسة تقع بين مؤسسة القمة والمجلس الوزاري وتتميز بصلاحيات كبيرة - على نحو يقود، إلى تسريع وتيرة العمل لإنجاز الاتحاد الجمركي - تم الإعلان عنه في عام 2003 والسوق الخليجية المشتركة - تم إطلاقها في عام 2008 - بصورة كاملة، لكن ما زالت هناك بعض العراقيل التي تواجه تطبيق المنظومتين على الرغم مما تحقق من إيجابيات منها على سبيل المثال أن الاتحاد الجمركي قد نجح في رفع قيمة التبادل التجاري بين دول منظومة مجلس التعاون من 20 مليار دولار إلى 140 مليار دولار - وفقا إحصائيات العام 2015 - من شأنه أن يهيئ الأرضية القوية للمضي قدما، باتجاه استكمال عناصر الوحدة الخليجية الاقتصادية الكاملة مما يعزز مكانة منطقة دول منظومة مجلس التعاون كمركز مالي واستثماري واقتصادي عالمي، ومن ثم فإن الرهان هو على هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية والتي ترمي بشكل رئيسي إلى معالجة معوقات السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي كافة، وكل ما يعترض مسيرة مجلس التعاون في المجال الاقتصادي، وهو ما يتطلب القيام بعدد من الخطوات التي من شأنها أن تسهم في إزالة المعوقات القائمة على النحو التالي:

- إنشاء محكمة تجارية خليجية بحيث تكون الآلية القانونية الوحيدة التي تعمل إلى إصدار التشريعات ومختلف القوانين التجارية والاستثمارية وأنظمة المقاييس والمواصفات وفض المنازعات بحيث تكون قراراتها ملزمة ونافذة بالنسبة للقطاع الحكومي والخاص، وفق إجراءات وضوابط محددة.

- تذليل العقبات والمعوقات التي تعاني منها السوق الخليجية المشتركة في عدد من المجالات وفي مقدمتها التنقل والإقامة وقطاع العمل في القطاعات الحكومية والأهلية وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات، والنقل البري والجمارك.

- تبني المدخل الإنمائي لتنويع الهيكل الإنتاجي لدول مجلس التعاون والذي سيمهد الطريق لتوفير بضائع قابلة للتداول في دول المجلس

- العمل على زيادة الاهتمام بجوانب التخصص والتميز عند إقامة المشاريع الوطنية لتحقيق التنسيق والتعاون حتى لا يكون هناك تنافس بدلاً من التكامل، حيث أن لكل بلد سمة مميزة للاستثمار، فعلى سبيل المثال هناك تميز سياحي وصناعي وخدمي، علاوة على ضرورة الابتعاد عن الازدواجية في إقامة مشاريع متشابهة في القطاع الواحد.

- الإسراع في إنجاز مشروع الربط بالسكك الحديدية بين دول المجلس من خلال سكة حديد دول المجلس سواء لنقل السلع أو انتقال الأشخاص.

- توسيع القاعدة التجارية والاستثمارية بين دول المجلس وزيادة الاستثمارات البينية من خلال إقامة المشاريع المشتركة.

- تسهيل قوانين انتقال الأيدي العاملة والسلع بين دول المجلس، وتسهيل إجراءات تصدير واستيراد السلع عبر المنافذ البرية والبحرية. - العمل على تطبيق برامج التحفيز الاقتصادي بهدف مساعدة القطاع الخاص على مواجهة التحديات الراهنة بحيث يتم التركيز فيها على توفير ضمانات للبنوك نظير توفير التسهيلات للقطاع الخاص.