شرفات

نأتي إلى بيروت.. كي نأتي إلى بيروت

05 ديسمبر 2016
05 ديسمبر 2016

عادل محمود -

«في الحقبة الجديدة... اللبنانية، بعد انتخاب الرئيس عون اقترح على حراس الحدود، في مكاتب الأمن العام اللبناني...أن يكفوا عن اعتبار كل سوري...غازي كنعان».

ولمن لا يعرف غازي كنعان...هو الضابط السوري المكلف بإدارة القوات السورية في لبنان.وكان يشبه المفوض السامي في ذاك البلد متعدد المصائب والآمال.

انتهى غازي كنعان، وكل أنواع النفوذ السوري في لبنان منذ انسحاب القوات السورية في العام 2005 . وأصبح وزيراً للداخلية السورية، ثم انتحر في مكتبه، ويقال: طُلبَ إليه تقديم استقالته من الحياة برصاصتين.

بعد الأزمة السورية، وامتلاء الأرض اللبنانية بالمهاجرين السوريين... جرى تقنين الدخول، بصورة تبلغ صرامتها وثأريتها حدود الانتقام. أصبح الأمن العام اللبناني يمارس ما يشبه ممارسات السلطة السورية، أيامذاك، في الفظاظة والمنع غير المنطقي، وخصوصاً في تحديد من يدخل ومن يعاد خائباً عند الحدود.

أنا صحفي منذ خمسين عاماً، دَخلت لبنان مرة بهوية صحفية قبرصية (من أيام عملي في قبرص) وأعطوني شهر زيارة. وفي المرة الثانية قدمت نفس الهوية فلم يقبلوها وأعادوني عن الحدود إلى سوريا،برغم ما يعنيه ذلك من صعوبة سفر وتكاليف وآثار نفسية. وعندما جادلت الضابط...نهرني كأنني مهاجر افتراضي قائلاً:« لا تدخل... يعني لا تدخل». فقلت له بهدوء: سيدي ألا ترى أنني لست غازي كنعان؟

ولذلك كتبت هذه البوست، أعلاه، على الفيس بوك.

في المرة التالية قدمت ما يجعلني أدخل بطريقة أخرى هي الاصعب : حجز فندق، وألف دولار (صوروها مع هويتي بطريقة مضحكة، مروحة من فئة المائة دولار، بينها هوية ضئيلة من التعريف، بغرض منع تأجير الألف دولار من قبل لبنانيين يأخذون ثمناً لتأجير مبلغاً من الدولارات لمن لايملكها).

الآن...معرض الكتاب في بيروت، ولا أعرف كيف سأتدبر الأمر للذهاب إلى المعرض وتوقيع كتابي الصادر حديثاً. فليس لدي ألف دولار، ولا حجز فندق، وبطاقتي الصحفية القبرصية لا تصلح. ورغم عدم الاحترام في السياسة اللبنانية للسياسة السورية... فإنهم يقبلون أن تحمل بطاقة «جريدة البعث»، مثلاً، ويرفضون أن تكون صحفياً دولياً.

وهكذا ...

الوحدة العربية ممكنة الحدوث في زمن رعوي، ومدنية قروية، وانتباه ناقص إلى خسائر النرجسية الوطنية المزيفة... الوحدة الأوروبية لم تحدث إلا بعد قرون من فصل الدين عن الدولة، وفهم لتفوق المصلحة على الدين، وأفضلية فتح الحدود على إنغلاق الهوية.

معرض الكتاب قد لا يؤكد انتشار الثقافة. فالكتاب أصبح سلعة مستحيلة على الطبقة الوسطى، بسبب الغلاء، صاحبة الشغف بالقراءة. ولكنه سيؤكد الأرقام القياسية، مرة أخرى، والتي تقول أن حصة العربي من الكتب المطبوعة في العالم العربي... صفحة واحدة في السنة، وأن العربي ـ حسب توزيع العناوين المقروءة على عدد السكان ، تقول إن العربي يقرأ ربع ساعة في السنة.

لكن الأمن العام اللبناني غير معني بالمسألة التي تتجاوز ضرورات الذهاب ،كمنفذ وحيد للسوريين ،إلى لبنان إلى محظورات دخول الأشخاص، كائناً من كانوا.

إن عاطفة محمود درويش في هذه الجملة الشعرية لم تعد تعني شيئاً... ذلك لأن الذهاب إلى بيروت يجب ألا يحتاج إلى هذه المحنة الحدودية:

يقول محمود درويش في قصيدة بيروت 1982

كنا « نأتي إلى بيروت كي نأتي إلى بيروت».